كتاب إتحاف ذوي الألباب

اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ (¬1) أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ ... »
- الحَدِيثَ (¬2) -، رَوَاهُ السِّتَّةُ: البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
¬__________
(¬1) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي «الفَتْحِ» (11/ 483): «بِالرَّفْعِ؛ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ».
قُلْتُ: وَمِنْهُمْ مَنْ عَدَّ الرَّفْعَ - هُنَا - عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ عُدُولٌ عَنِ الحِكَايَةِ إِلَى صُورَةِ مَا يَكْتُبُهُ، وَلَيْسَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ، فَتَكُونُ صُورَةُ مَا يُكْتَبُ: (شَقِيٌّ)، أَوْ يُكْتَبُ: (سَعِيدٌ).
وَاخْتَارَ هَذَا الرَأْيَ العَيْنِيُّ فِي «عُمْدَةِ القَارِي» (23/ 146) بِقَوْلِهِ - مُتَعَقِّبًا كَلَامَ ابْنَ حَجَرٍ -: «لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ عَن (أَرْبَع)، فَيَكُونُ مَجْرُوراً؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ قَوْلِهِ: (فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ): كَلِمَةٌ تتَعَلَّقُ بِـ (رِزْقِهِ)، وَكَلِمَةٌ تَتَعَلَّقُ بِـ (أَجَلِهِ)، وَكَلِمَةٌ تَتَعَلَّقُ بِـ (سَعَادَتِهِ أَوْ شَقَاوَتِهِ)، وَكَانَ مِنْ حَقِّ الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ: (يَكْتُبُ سَعَادَتَهَ وَشَقَاوَتَهَ)، فَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ حِكَايَةً بِصُورَةِ مَا يَكْتُبُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ يَكْتُبُ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَ (شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ)».
(¬2) بِالنَّصْبِ، أَوِ الضَّمِّ، أَوِ الجَرِّ - عَلَى شُذُوذٍ وَنُدُورٍ -.
أَمَّا النَّصْبُ فَعَلَى المَفْعُولِيَّةِ؛ بِتَقْدِير ِ: (أُرِيدُ الحَدِيثَ) أَوِ (اذْكُرِ الحَدِيثَ) أَوْ (أَكْمِلِ الحَدِيثَ) - وَنَحْوِهَا -.
وَمِنْهُمْ مَنْ نَصَبَ عَلَى نَزْعِ الخَافِضِ؛ بِتَقْدِيرِ: (إِلَى آخِرِ الحَدِيثِ)، وَهُوَ شَاذٌّ، وَذَلِكَ لأَنَّ نَزْعَ الخَافِضِ - فِي اللُّغَةِ - يَأْتِي عَلَى قَاعِدَةِ إِيصَالِ الفِعْلِ إِلى المَفْعُولِ بِنَفْسِهِ بِلَا حَرْفِ جَرٍّ؛ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ}؛ أَيْ: كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ، وَالعِبَارَةُ المُقَدَّرَةُ - هُنَا - خِلَافُ هَذِهِ القَاعِدَةِ.
وَأَمَّا الضَّمُّ فَعَلَى الابْتِدَاءِ بِخَبَرٍ مَحْذُوفٍ؛ بِتَقْدِيرِ: (الحَدِيثُ بِتَمَامِهِ) أَوِ (الحَدِيثُ مَشْهُورٌ) أَوِ (الحَدِيثُ مَعْلُومٌ) - وَنَحْوِهَا -، أَوْ عَلَى أَنَّهَا خَبَرٌ بِمُبْتَدإٍ مَحْذُوفٍ؛ بِتَقْدِيرِ: (المَتلُوُّ الحَدِيثُ)، أَوِ (المُسْتَدَلُّ بِهِ الحَدِيثُ).
وَأَمَّا الجَرُّ فَعَلَى حَذْفِ الجارِّ؛ بالتَّقْدِيرِ السَّابِقِ: (إِلَى آخِرِ الحَدِيثِ)، وَهَذَا نَادِرٌ؛ إِذْ يَشُذُّ - فِي اللُّغَةِ - أَنْ يُجَرَّ المَجْرُورُ بَعْدَ حَذْفِ الجَارِّ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِ حَذْفِهِ قِيَاسًا.
وَيَذْكُرُ أَهْلُ العِلْمِ هَذِهِ العِبَارَةَ - وَنَحْوَهَا - عِنْدَ عَدَمِ اسْتِيفَاءِ الآيَةِ، أَوِ الحَدِيثِ، أَوْ البَيْتِ مِنَ الشِّعْرِ.

الصفحة 43