كتاب إتحاف ذوي الألباب

وَقَالَ السُّدِّيُّ (¬1): {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ} يَعْنِي القَمَرَ، {وَيُثْبِتُ} يَعْنِي الشَّمْسَ، بَيَانُهُ: قَوْلُهُ - تَعَالَى -: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} (¬2).
وَقَالَ الحَسَنُ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ}: مَنْ جَاءَ أَجَلُهُ، {وَيُثْبِتُ}: مَنْ لَمْ يَأْتِ أَجَلُهُ (¬3).
وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ (¬4): هَذَا فِي الأَرْوَاحِ حَالَةَ (¬5) النَّوْمِ يَقْبِضُهَا، فَمَنْ أَرَادَ مَوْتَهُ فَجْأَةً أَمْسَكَهُ (¬6)، وَمَنْ أَرَادَ إِبْقَاءَهُ أَثْبَتَهُ وَرَدَّهُ إِلَى صَاحِبِهِ، بَيَانُهُ:
¬__________
(¬1) (السُّدِّيُّ): بِضَمِّ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ المَكْسُورَةِ؛ كَمَا فِي «الأَنْسَابِ» لِلسَّمْعَانِيِّ (7/ 109).
وَهُوَ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّدِّيُّ: تَابِعِيٌّ، حِجَازِيُّ الأَصْلِ، سَكَنَ الكُوفَةَ، صَاحِبُ التَّفْسِيرِ وَالمَغَازِي وَالسِّيَرِ، وَكَانَ إِمَامًا عَارِفًا بِالوَقَائِعِ وَأَيَّامِ النَّاسِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ (128هـ)، انْظُرِ «الأَعْلَامَ» لِلزِّرِكْلِيِّ (1/ 317).
وَإِسْمَاعِيلُ - هُذَا - يُعْرَفُ بِـ (السُّدِّيِّ الكَبِيرِ)؛ دَفْعًا لِلالْتِبَاسِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانِ المَشْهُورِ بِـ (السُّدِّي الصَّغِيرِ)، وَهُوَ كَذَّابٌ مَتْرُوكٌ، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي «تَارِيخِ الإِسْلَامِ» (4/ 966).
(¬2) سُورَةُ (الإِسْرَاء)، آيَة (12)، وَانْظُرْ «تَفْسِيرَ البَغَوِيِّ» (4/ 325).
(¬3) أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ فِي «تَفْسِيرِهِ» (13/ 568).
(¬4) هُوَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ البَكْرِيُّ، تُوُفِّيَ سَنَةَ (139هـ) كَمَا فِي «سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ» (6/ 170)، قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّقْرِيبِ» (ص205): «صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ، وَرُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ».
(¬5) بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ الوَاقِعَةِ مَوْقِعَ الحَالِ.
(¬6) الضَّمِيرُ - هُنَا - يَعُودُ إِلَى الرُّوحِ، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - بَعْدَهَا -: (أَثْبَتَهُ) وَ (رَدَّهُ)، فَالرُّوحُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ.

الصفحة 49