كتاب إتحاف ذوي الألباب

عُمْرُهُ كَمْ هُوَ سَنَةً، كَمْ هُوَ شَهْرًا، كَمْ هُوَ يَوْمًا، كَمْ هُوَ سَاعَةً، ثُمَّ يُكْتَبُ فِي كِتَابٍ آخَرَ: نَقَصَ مِنْ عُمُرِهِ يَوْمٌ، نَقَصَ مِنْ عُمُرِهِ شَهْرٌ، نَقَصَ مِنْ عُمُرِهِ سَنَةٌ، حَتَّى يَسْتَوْفِيَ أَجَلَهُ (¬1).
وَقَالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ: فَمَا مَضَى مِنْ أَجَلِهِ فَهُوَ النُّقْصَانُ، وَمَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ عُمُرِهِ فَهُوَ الَّذِي يُعَمَّرُهُ، فَالهَاءُ عَائِدَةٌ عَلَى هَذَا المُعَمَّرِ (¬2).
وَعَنْ سَعِيدٍ - أَيْضًا -: يُكْتَبُ: (عُمْرُهُ كَذَا وَكَذَا سَنَةً)، ثُمَّ يُكْتَبُ أَسْفَلَ ذَلِكَ: (ذَهَبَ يَوْمٌ، ذَهَبَ يَوْمَانِ، ذَهَبَ ثَلَاثَةٌ ... )، حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى آخِرِهِ، حَكَاهُ القُرْطُبِيُّ وَالبَغَوِيُّ (¬3).
وَمَذْهَبُ الفَرَّاءِ فِي مَعْنَى {وَمَا يُعَمَّرُ}؛ أَيْ: مَا [يُطَوَّلُ] (¬4) مِنْ عُمُرِهِ، {وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} بِمَعْنَى: مُعَمَّرٍ آخَرَ؛ أَيْ: وَلَا يُنْقَصُ الآخَرُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ، فَالكِنَايَةُ فِي {عُمُرِهِ} تَرْجِعُ إِلَى آخَرَ غَيْرِ الأَوَّلِ، وَكَنَى عَنْهُ بِالهَاءِ كَأَنَّهُ الأَوَّلُ؛ لأَنَّ لَفْظَ الثَّانِي لَوْ ظَهَرَ كَانَ كَالأَوَّلِ، وَمِثْلُهُ: قَوْلُكُ: (عِنْدِي دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ)؛ أَيْ: نِصْفٌ آخَرُ (¬5).
¬__________
(¬1) أَخْرَجَهُ النَّحَّاسُ فِي «إِعْرَابِ القُرْآنِ» (3/ 248)، وَالبَيْهَقِيُّ فِي «القَضَاءِ وَالقَدَرِ» (ص218).
(¬2) انْظُرْ «تَفْسِيرَ القُرْطُبِيِّ» (14/ 333).
(¬3) أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي «العَظَمَةِ» (3/ 918)، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الأَثَرِ فِي الحَاشِيَةِ (ص46).
(¬4) فِي المَخْطُوطِ: (يَكُونُ)، وَالمُثْبَتُ مِنْ «مَعَانِي القُرْآنِ» لِلفَرَّاءِ (2/ 368).
(¬5) انْظُرْ «مَعَانِي القُرْآنِ» للفَرَّاءِ (2/ 368).

الصفحة 54