كتاب إتحاف ذوي الألباب

حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ»؛ أَيْ: عَلَى القَائِلِينَ بِزِيَادَةِ العُمُرِ وَنَقْصِهِ.
قَالَ: «لأَنَّهُ - تَعَالَى - نَصَّ عَلَى أَنَّهُ قَضَى أَجَلًا، وَلَمْ يَقُلْ لِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ، لَكِنْ عَلَى الجُمْلَةِ، ثُمَّ قَالَ - تَعَالى -: {وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ}، فَهَذَا الأَجَلُ المُسَمَّى عِنْدَهُ - عَزَّ وَجَلَّ - هُوَ الأَجَلُ الَّذِي قَضَى نَفْسُهُ - بِلَا شَكٍّ -؛ إِذْ لَوْ كَانَ غَيْرَهُ لَكَانَ أَحَدُهُمَا لَيْسَ أَجَلًا إِذَا أَمْكَنَ التَّقْصِيرُ عَنْهُ أَوْ مُجَاوَزَتُهُ [وَلَكَانَ الْبَارِي - تَعَالَى - مُبْطِلًا إِذْ سَمَّاهُ أَجَلًا، وَهَذَا كُفْرٌ لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ] (¬1)، وَأَجَلُ الشَّيْءِ - فِي اللُّغَةِ - هُوَ مِيعَادُهُ (¬2) الَّذِي لَا يَتَعَدَّاهُ، وَإِلَّا فَلَا يُسَمَّى أَجَلًا الْبَتَّةَ (¬3)، وَلَمْ يَقُلْ - عَزَّ وَجَلَّ -: إِنَّ الأَجَلَ المُسَمَّى عِنْدَهُ هُوَ غَيْرُ الأَجَلِ الَّذِي قَضَى، فَأَجَلُ كُلِّ شَيْءٍ مُنْتَهَاهُ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} (¬4)، وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} (¬5)» (¬6).
¬__________
(¬1) مَا بَيْنَ الحَاصِرَتَيْنِ مُثْبَتٌ مِنَ «المِلَلِ وَالنِّحَلِ» لابْنِ حَزْمٍ (3/ 86).
(¬2) وَفِي المَخْطُوطِ: (مِعْيَارُهُ)، وَالمُثْبَتُ مِنَ «المِلَلِ وَالنِّحَلِ» لابْنِ حَزْمٍ (3/ 86)، وَهُوَ الصَّوَابُ.
(¬3) (البَتَّةَ) بِالنَّصْبِ - دَائِمًا - عَلَى المَفْعُولِيَّةِ المُطْلَقَةِ، وَتُسْتَعْمَلُ لِكُلِّ أَمْرٍ لَا رَجْعَةَ فِيهِ، وَاخْتُلِفَ فِي هَمْزَتِهَا؛ فَجَاءَتْ بِالقَطْعِ - قِيَاسًا - والوَصْلِ - سَمَاعًا -، وَالأَصْلُ تَعْرِيفُهَا بِـ (ال)، إِلَّا أَنَّ الفَرَّاءَ أَجَازَ تَنْكِيرَهَا.
(¬4) سُورَةُ (الأَعْرَاف)، آيَة (34).
(¬5) سُورَةُ (المُنَافِقُون)، آيَة (11).
(¬6) انْظُرِ «المِلَلَ وَالنِّحَلَ» لابْنِ حَزْمٍ (3/ 86).

الصفحة 59