كتاب إتحاف ذوي الألباب

يُثْبِتُ شَيْئًا إِلَى مَا سَبَقَ عِلْمُهُ بِهِ، وَأَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ - وَنَحْوَهُ مِمَّا قُدِّرَ طُولُ العُمُرِ بِسَبَبِهِ - يَزِيدُ فِي الأَجَلِ فِي أَنَّ الدُّعَاءَ المُقَدَّرَ دَفْعُ البَلَاءِ بِهِ يَدْفَعُهُ (¬1).
فَقَدْ ظَهَرَ لَكَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ غَايَةُ البَيَانَ، وَارْتَفَعَ بِهِ اللَّبْسُ وَالإِشْكَالُ، وَأَغْنَاكَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الهَذَيَانِ - وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ -.
وَبِالجُمْلَةِ (¬2): فَاعْلَمْ - وَفَّقَكَ اللهُ - أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ تَزيدُ فِي العُمُرِ بِشَرْطِهِ، وَأَنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ وَتَحْصُلُ بِهِ النَّجَاةُ وَالهَلَاكُ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ دَلَّ العَقْلُ وَالنَّقْلُ وَالفِطْرَةُ وَتَجَارِبُ الأُمَمِ - عَلَى اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا وَمِلَلِهَا وَنِحَلِهَا - عَلَى أَنَّ التَّقَرُّبَ إِلَى رَبِّ الأَرْبَابِ وَطَلَبَ مَرْضَاتِهِ وَالإِحْسَانَ إِلَى خَلْقِهِ: مِنْ أَعْظَمِ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَأَضْدَادَهَا مِنْ أَكْبَرِ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِكُلِّ شَرٍّ، فَمَا اسْتُجْلِبَتْ نِعَمُ اللهِ وَاسْتُدْفِعَتْ نِقْمُهُ بِمِثْلِ طَاعَتِهِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ وَالإِحْسَانِ إِلَى خَلْقِهِ، وَقَدْ رَتَّبَ اللهُ - سُبْحَانَهُ - حُصُولَ الخَيْرَاتِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَحُصُولَ الشُّرُورِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ عَلَى الأَعْمَالِ تَرَتُّبَ الجَزَاءِ عَلَى الشَّرْطِ وَالعِلَّةِ عَلَى المَعْلُولِ وَالمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، فَقَالَ - جَلَّ مِنْ قَائِلٍ -: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} (¬3)، وَقَالَ: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ
¬__________
(¬1) انْظُرْ «شَرْحَ صَحِيحِ مُسْلِمٍ» لِلنَّوَوِيِّ (16/ 213).
(¬2) انْظُرِ «الجَوَابَ الكَافِي» لابْنِ القَيِّمِ (ص18).
(¬3) سُورَةُ (الأَنْفَال)، آيَة (29).

الصفحة 97