كتاب إتحاف ذوي الألباب

سَيِّئَاتِكُمْ} (¬1)، وَقَالَ: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (¬2)، وَقَالَ: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (¬3).
وَبِالجُمْلَةِ: فَالقُرْآنُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ صَرِيحٌ فِي تَرَتُّبِ الجَزَاءِ بِالخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الأَسْبَابِ؛ بَلْ أَحْكَامُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَصَالِحُهُمَا وَمَفَاسِدُهُمَا عَلَى الأَسْبَابِ وَالأَعْمَالِ (¬4).
وَمَنْ فَقِهَ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ وَتَأَمَّلَهَا حَقَّ التَّأَمُّلِ انْتَفَعَ بِهَا غَايَةَ النَّفْعِ، وَلَمْ يَتَّكِلْ عَلَى القَدَرِ جَهْلًا مِنْهُ وَعَجْزًا وَتَفْرِيطًا وَإِضَاعَةً - فَيَكُونُ تَوَكُلُّهُ عَجْزًا وَعَجْزُهُ تَوَكُّلًا -؛ بَلِ الفَقِيهُ - كُلُّ الفَقِيهِ - الَّذِي يَرُدُّ القَدَرَ بِالقَدَرِ وَيَدْفَعُ القَدَرَ بِالقَدَرِ وَيُعَارِضُ القَدَرَ بِالقَدَرِ؛ بَلْ لَا يُمْكِنُ الإِنْسَانُ أَنْ يَعِيشَ إِلَّا بِذَلِكَ؛ فَإِنَّ الجُوعَ وَالعَطَشَ وَالبَرْدَ وَأَنْوَاعَ المَخَاوِفِ وَالمَحَاذِيرِ هِيَ مِنَ القَدَرِ، وَالخَلْقُ كُلُّهُمْ سَاعُونَ فِي دَفْعِ هَذَا القَدَرِ بِالقَدَرِ حَتَّى يَأْتِيَ القَضَاءُ المَحْتُومُ الَّذِي لَا يَدْفَعُهُ أَحَدٌ وَلَا يُغَيِّرُهُ؛ بِخِلَافِ مَا قُضِيَ صَرْفُهُ بِالتَّوْبِةِ وَالدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ وَالحِفْظِ؛ فَفِي تَفْسِيرِ {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} (¬5)؛ أَيْ:
¬__________
(¬1) سُورَةُ (النِّسَاء)، آيَة (31).
(¬2) سُورَةُ (إِبْرَاهِيم)، آيَة (7).
(¬3) سُورَةُ (الصَّافَّات)، آيَة (143 - 144).
(¬4) انْظُرِ «الجَوَابَ الكَافِي» لابْنِ القَيِّمِ (ص20).
(¬5) سُورَةُ (الطَّارِق)، آيَة (4).

الصفحة 98