كتاب إتحاف ذوي الألباب

يَحْفَظُهَا مِنَ الآفَاتِ حَتَّى يُسَلِّمَهَا إِلَى القَدَرِ، قَالَ الفَرَّاءُ: «الحَافِظُ مِنَ اللهِ، يَحْفَظُهَا حَتَّى يُسَلِّمَهَا إِلَى المَقَادِيرِ»، وَقَالَهُ الكَلْبِيُّ (¬1).
وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ} (¬2)؛ يَعْنِي: المَلَائِكَةَ المُوَكَّلِينَ بِهِ لِحِفْظِهِ مِنَ الوُحُوشِ وَالهَوَامِّ (¬3) وَالأَشْيَاءِ المُضِرَّةِ لُطْفًا مِنْهُ، فَإِذَا جَاءَ القَدَرُ خَلَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (¬4).
وَنَقَلَ المَاوَرْدِيُّ: يَحْفَظُونَهُ مِنَ المَوْتِ مَا لَمْ يَأْتِ أَجَلُهُ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ، وَقِيلَ: يَحْفَظُونَهُ مِنَ الجِنِّ وَالهَوَامِّ المُؤْذِيَةِ مَا يَأْتِ قَدَرٌ، قَالَهُ أَبُو أُمَامَةَ (¬5) وَكَعْبُ الأَحْبَارِ، فَإِذَا جَاءَ القَدَرُ خَلَّوْا عَنْهُ (¬6).
¬__________
(¬1) انْظُرْ «تَفْسِيرَ القُرْطُبِيِّ» (20/ 3).
(¬2) سُورَةُ (الرَّعْد)، آيَة (11).
(¬3) بِتَشْدِيدِ المِيمِ، قَالَ ابْنُ الأَثِيرِ فِي «النِّهَايَةِ فِي غَرِيبِ الأَثَرِ» (5/ 275): «(الهَامَّةُ): كُلُّ ذاتِ سُمٍّ يَقْتُلُ، وَالجَمْعُ: (الهَوَامُّ)، فَأَمَّا مَا يَسُمُّ وَلَا يَقْتُلُ فَهُوَ السَّامَّةُ - كَالعَقْرَبِ وَالزُّنْبُورِ -، وَقَدْ يَقَعُ الهَوَامُّ عَلَى مَا يَدِبُّ مِنَ الحَيَوَانِ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ - كَالحَشَرَاتِ -».
(¬4) أَثَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي «تَفْسِيرِهِ» (13/ 458) مُخْتَصَرًا بِلَفْظِ: «فَإِذَا جَاءَ القَدَرُ خَلَّوْا عَنْهُ»، وَأَمَّا أَثَرُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَوْرَدَهُ السُّيُوطِيُّ فِي «الدُّرِّ المَنْثُورِ» (4/ 615) بِلَفْظِ: «لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَمَعَهُ مَلَائِكَةٌ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ حَائِطٌ، أَوْ يَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ، أَو يَأْكُلَهُ سَبُعٌ، أَوْ غَرْقٍ، أَوْ حَرْقٍ، فَإِذا جَاءَ القَدَرُ خَلَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ القَدَرِ»، وَعَزَاهُ إِلَى ابْنِ المُنْذِرِ وَأَبِي الشَّيْخِ.
(¬5) عِنْدَ المَاوَرْدِيِّ فِي «تَفْسِيرِهِ» (3/ 99): أَبُو مَالِكٍ.
(¬6) انْظُرْ «تَفسِيرَ المَاوَرْدِيِّ» (3/ 98 - 99).

الصفحة 99