كتاب كشف الأسرار عن القول التليد فيما لحق مسألة الحجاب من تحريف وتبديل وتصحيف

حكم وفريضة إسلامية يأتي بها الله تعالى، لهذا عندما تقرأ بدايات سورة الأحزاب، وإن جاءت لأسباب معينة كما ذكر ذلك بعض أهل التفسير فلا يمنع من أنها مهدت لفريضة الحجاب بأعظم تمهيد وتجهيز لنفوس عباده المؤمنين والمؤمنات لاستقبال أحكام الحجاب وغيره من الأحكام التي لم يكن المجتمع المسلم متعوداً عليها ومن أهمها إلغاء التبني والأمر بفريضة الحجاب فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإنك لتعلم مدى قوة هذين الأمرين وصعوبتهما على النفوس وخوفها من نظرة الآخرين وكلامهم وانتقاداتهم، وإنك لتعلم مدى رحمة الله بعباده عندما تقرأ في أول سورة الأحزاب تلك البداية العجيبة التي تقشعر منها الجلود وهي قوله تعالى في أول آية منها:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً {1} وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً {2} وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً {3} [الأحزاب].
فالأمر بعدم طاعة الكافرين والمنافقين لم يوجهه الله للمؤمنين مباشرة وإنما وجهه لأعلى شخصية إسلامية بأن يتقي الله، ويكون القدوة لأتباعه لتنفيذ ما يُوحَي إليه من ربه، في نفسه وأهل بيته وعموم المسلمين، ولا يطيع الكافرين والمنافقين ولو كانت أموراً عظيمة في جانب التوحيد أو التشريع مما لم يألفوها ويتعودوا عليها، فهو العليم الحكيم بما ينفع عباده، وهذا أروع استهلال وأعظم مقدمة تقشعر منها القلوب والجلود وتسلم لها الجوارح على حكمة العليم الحكيم ليهدم

الصفحة 18