كتاب كشف الأسرار عن القول التليد فيما لحق مسألة الحجاب من تحريف وتبديل وتصحيف

فقبل أن يفرض الحجاب بدأ بتذكيرهم بنعمته عليهم ورعايته لهم من كيد أعدائهم ومكرهم يوم الأحزاب يوم أن تكالبوا عليهم وبلغت القلوب الحناجر ولم يكن لهم من ملجأ إلا اللهَ {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً {9} [الأحزاب]، وهذا من أعظم الدواعي المحفزة للاعتماد عليه والأخذ بما أمر وشرع، وأنهم حين يتبعون أمره فلا غالب لهم، مهما بلغت قوة أعدائهم.
ج- مهد الله لفريضة الحجاب بتشريف زوجات نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن جعلهن أمهات للمؤمنين، ثم أمرُهُ لهن، بعد ذلك بالبعد عن مثيرات الشهوات والحجاب ممن قضى أنهم أبناء لهن، فكن بذلك مخصوصات عن بقية أمهات العالمين بالتحجب من أبنائهن:
وهذا أعظم تمهيد عندما أعلن الله في بدايات السورة تكريمه لزوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - بما أعلى به قدرهن، ورفع به شأنهن، بأن جعلهن أمهات للمؤمنين فقال: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ... {6} [الأحزاب]، ولهذه البداية حكمة عظيمة قبل فرض الحجاب فبعد هذا التكريم صرن أمهات للمؤمنين، ولهذا أكثر المؤمنون قبل نزول الحجاب من الدخول على بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - بدون ترتيب أو استئذان حتى كان يدخل عليهن البر والفاجر، كما أخبر أنس، قَالَ: (قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَدْخُلُ عَلَيْكَ البَرُّ وَالفَاجِرُ فَلَوْ أمرتَ أمهات المؤمنين بِالحِجَابِ فأنزل اللَّهُ آية الحِجَابِ) أخرجه البخاري

الصفحة 21