كتاب كشف الأسرار عن القول التليد فيما لحق مسألة الحجاب من تحريف وتبديل وتصحيف

الدخول قبل نزول الحجاب كان بكثرة في بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك لمكانته ومكانة زوجاته بنص أول الآيات في سورة الأحزاب، كما أنه لو جاء الأمر للمؤمنين بمنع الدخول على بيوت بعضهم البعض، لبقي الأمر على حاله في بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولما امتنع أحد من الدخول معتقدين أن الآية لا تعنيهم، وهم في حكم الأبناء مع أمهاتهم، لقوله تعالى بعد تلك الآية: {لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ .. {55} [الأحزاب].
ولهذا جاء بذكر بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذات حتى يشمل الأمر بالحجاب أمهات المؤمنين.
قال العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب: (وبهذا يرتفع الإشكال في قوله: {وأزواجه أمهاتهم} مع قوله: {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب} إذ يقال كيف يلزم الإنسان أن يسأل أمه من وراء حجاب؟ والجواب ما ذكرناه الآن فهن أمهات في الحرمة والاحترام والتوقير والإكرام لا في الخلوة بهن ولا في حرمة بناتهن ونحو ذلك والعلم عند الله تعالى) انتهى.
ولهذا فصار بعد التمهيد ونزول آيات الحجاب من المؤكد للجميع أن أمومة أمهات المؤمنين التي جاءت في بدايات السورة ليست كالأمومة الحقيقية من كل وجه، وإنما كما قال الإمام الشافعي: (في معنى دون معنى) (¬1).
¬_________
(¬1) انظر كتاب "الأم" للإمام الشافعي (5/ 151) وسيأتي معنا نقل الإمام البيهقي له في مبحث الخصوصية (صـ 396).

الصفحة 27