كتاب كشف ما ألقاه إبليس من البهرج والتلبيس على قلب داود بن جرجيس

الكمال، ولا يقول المثبت للنافي: إنك كفرت، فإن الكمال الثابت ليس محدوداً يعلمه الناس كلهم، والكمال المطلق الذي لا غاية فوقه لله تبارك وتعالى، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قال: "كمل من الرجال كثير" (1) وهؤلاء الكاملون بعضهم أكمل من بعض.
فإذا قال قائل: إذا كان الرسول الذي هو أفضل الخلق لا يضر ولا ينفع، فكيف بمن دونه؟، ونحو ذلك، فهذا مثل (2) قوله: لا يضر ولا ينفع (3) إلا الله، وهو نظير أن يقال: الرسول لا يستغاث به وإنما يستغاث بالله، والمراد به (4) بعد وفاته؛ كما قال تعالى: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً. قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً. إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِه} (5) ، فأخبر أنه لا يملك من الله لا ضرهم ولا رشدهم.:وقال تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} (6) ، وقد ثبت في الصحيحين أنه قال: "يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً" (7) ، فهذا تخصيص له بنفي ذلك، وهو الصادق
__________
(1) أخرجه البخاري في "الأنبياء" باب قول الله تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّه ... } (ح/3433) ، ومسلم في "فضائل الصحابة"باب فضائل خديجة أم المؤمنين (ح/2431) من حديث أبي موسى الأشعري مرفوعاً.
(2) سقطت من (المطبوعة) : "مثل".
(3) في "ش": "لا ينفع ولا يضر".
(4) سقطت من (المطبوعة) : "به".
(5) سورة الجن، الآيات: 21-23.
(6) سورة آل عمران، الآية: 128.
(7) أخرجه البخاري في "الشروط"باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب (ح/2753) ، وأيضاً في "التفسير": (ح/4771) ، ومسلم في "الإيمان"باب في قوله تعالى" {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين} (ح/204و 206) من حديث أبي هريرة مرفوعاً، وبنحوه أخرجه مسلم في المصدر السابق: (ح/205) من حديث عائشة مرفوعاً.

الصفحة 324