كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 1)

وَصَارَ نَاسِخًا لِلْخَاصِّ الَّذِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَدَلَّ عَلَى مَا قُلْنَا إنَّهُ مُوجِبٌ مِثْلَ الْخَاصِّ وَاحْتَجَّ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَطْئًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَقَالَ أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] فَصَارَ التَّحْرِيمُ أَوْلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِوَضْعِ الْحَمْلِ لَا غَيْرُ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] مُتَأَخِّرٌ فِي النُّزُولِ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 234] الْآيَةَ حَتَّى قَالَ مَنْ شَاءَ بِأَهِلَّتِهِ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى يَعْنِي سُورَةَ الطَّلَاقِ نَزَلَتْ بَعْدَ الْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا كَمَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهَا فَصَارَ بِعُمُومِهِ نَاسِخًا لِمَا تَقَدَّمَهُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] فَلِهَذَا أَوْجَبَ عَلَيْهَا الِاعْتِدَادَ بِوَضْعِ الْحَمْلِ لَا غَيْرُ.
قَوْلُهُ (فَصَارَ نَاسِخًا) أَيْ صَارَ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] نَاسِخًا لِلْخَاصِّ الَّذِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ اسْمُهُ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النَّصَّيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ عَامٌّ مِنْ وَجْهٍ خَاصٌّ مِنْ وَجْهٍ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] عَامٌّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَغَيْرُهَا خَاصٌّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا أُولَاتِ الْأَحْمَالِ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ اسْمُهُ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوَّلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا عَامٌّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الْحَامِلَ وَغَيْرَ الْحَامِلِ فَنَسَخَ قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] بِعُمُومِهِ حُكْمَ هَذَا النَّصِّ الْخَاصِّ النِّسْبِيِّ فِي حَقِّ الْحَامِلِ لِكَوْنِهِ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَصَارَ نَاسِخًا لِلْخَاصِّ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَرَمَيْنِ الْإِمَامَيْنِ عَمِلَ بِالْعُمُومِ كَمَا هُوَ مُوجَبُ الصِّيغَةِ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا جَمَعَ بَيْنَ النَّصَّيْنِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالتَّارِيخِ وَالْآخَرَ عَمِلَ بِالْمُتَأَخِّرِ لِمَعْرِفَتِهِ بِهِ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَطْئًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحْرُمُ ذَلِكَ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] يُوجِبُ تَحْرِيمَهُ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ لَمَّا حَرَّمَ نِكَاحًا وَهُوَ سَبَبٌ مُفْضٍ إلَى الْوَطْءِ فَلَأَنْ يُحَرِّمَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا وَطْئًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ كَانَ أَوْلَى وَقَوْلُهُ جَلَّ جَلَالُهُ {أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] يُوجِبُ حِلَّهُ فَكَانَ الْأَخْذُ بِمَا يُحَرِّمُ أَوْلَى احْتِيَاطًا وَوَافَقَهُ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَنَّ النَّصَّيْنِ يُوجِبَانِ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ إلَّا أَنَّهُ رَجَّحَ الْمُوجِبَ لِلْحِلِّ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ فَعَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعُمُومِ.
وَلَا يُقَالُ الْمُبِيحُ عِبَارَةٌ وَالْمُحَرِّمُ دَلَالَةٌ فَلَا يَتَعَارَضَانِ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ خُصَّ مِنْ الْمُبِيحِ الْأَمَةُ الْمَجُوسِيَّةُ وَالْأُخْتُ مِنْ الرَّضَاعِ وَأُخْتُ الْمَنْكُوحَةِ وَغَيْرُهُنَّ فَكَانَ أَدْنَى مِنْ الْقِيَاسِ فَيُعَارِضُهُ الدَّلَالَةُ بَلْ تَتَرَجَّحُ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّا نَقُولُ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةٌ بِالْعِبَارَةِ أَيْضًا فَإِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا} [النساء: 23] يَتَنَاوَلُ الْجَمْعَ مِنْ حَيْثُ النِّكَاحُ وَالْوَطْءُ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ قَدْ اشْتَهَرَ الِاحْتِجَاجُ بِالْعُمُومَاتِ عَنْ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الْوَقَائِعِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ فَإِنَّهُمْ عَمِلُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] فَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى إرْثِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حَتَّى نَقَلَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» وَأَجْرَوْا قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] وَ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا} [الإسراء: 33] {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: 278] {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] وَ {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا» «مَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ» «لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ» «لَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْصَى عَلَى الْعُمُومِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ «لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] قَالَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَ ضَرِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ بِمَنْ

الصفحة 302