كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي بَيْعِ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَةِ أَنَّهُ بَيْعُ مَطْعُومٍ بِمَطْعُومٍ مُجَازَفَةً فَيَبْطُلُ كَبَيْعِ الصُّبْرَةِ بِالصُّبْرَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مُجَازَفَةُ ذَاتٍ أَوْ وَصْفٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِالذَّاتِ، ثُمَّ نَقُولُ مُجَازَفَةٌ فِي الذَّاتِ بِصُورَتِهِ أَوْ بِمِعْيَارِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِالْمِعْيَارِ؛ لِأَنَّ الْمَطْعُومَ بِالْمَطْعُومِ كَيْلًا بِكَيْلٍ جَائِزٌ وَإِنْ تَفَاوَتَا فِي الذَّاتِ فَإِنْ قَالَ: لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا لَمْ نُسَلِّمْ لَهُ الْمُجَازَفَةَ مُطْلَقَةً فَيُضْطَرُّ إلَى إثْبَاتِ أَنَّ الطُّعْمَ عِلَّةٌ لِتَحْرِيمِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْجِنْسِ مَعَ أَنَّ الْكَيْلَ الَّذِي يَظْهَرُ بِهِ الْجَوَازُ لَا يَعْدَمُ إلَّا الْفَضْلَ عَلَى الْمِعْيَارِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا الْقِسْمِ وَالْقِسْمِ الْأَوَّلِ: إنَّ الْمُمَانَعَةَ فِي الْوَصْفِ هِيَ عَدَمُ تَسْلِيمِ وُجُودِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ وَالْمُمَانَعَةُ فِي نِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَى الْوَصْفِ هِيَ عَدَمُ تَسْلِيمِ كَوْنِ الْحُكْمِ مَنْسُوبًا إلَى الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ مَعَ تَسْلِيمِ وُجُودِ ذَلِكَ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ وَقِيلَ الْمُمَانَعَةُ فِي نَفْسِ الْوَصْفِ هِيَ مَنْعُ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فِي الْفَرْعِ مَعَ تَسْلِيمِ تَعَلُّقِهِ بِهِ فِي الْأَصْلِ وَالْمُمَانَعَةُ فِي نِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَى الْوَصْفِ هِيَ مَنْعُ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمُمَانَعَةُ فِي نَفْسِ الْوَصْفِ فَمِثْلُ قَوْلِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ إنَّهَا عُقُوبَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجِمَاعِ فَلَا تَجِبُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَحَدِّ الزِّنَا وَهَذَا الْوَصْفُ وَهُوَ كَوْنُهَا مُتَعَلِّقَةً بِالْجِمَاعِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ عِنْدَنَا بَلْ هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِفْطَارِ إذَا كَمَّلَ جِنَايَةً لَا بِالْجِمَاعِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ نَاسِيًا لِصَوْمِهِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ لِعَدَمِ الْفِطْرِ وَإِنْ كَانَ الْوَطْءُ زِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ وَلَوْ جَامَعَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ يَفْسُدُ لِوُجُودِ الْفِطْرِ وَإِنْ كَانَ الْوَطْءُ حَلَالًا فِي نَفْسِهِ.
وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ آلَةُ الْفِطْرِ وَالْحُكْمُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْآلَةِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَاصِلِ بِالْآلَةِ كَمَا فِي الْجُرْحِ فَإِنَّ مَنْ جَرَحَ إنْسَانًا وَمَاتَ الْمَجْرُوحُ بِهِ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَا يَتَعَلَّقُ وُجُوبُهُ بِالْآلَةِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجُرْحِ الْحَاصِلِ بِالْآلَةِ فَعَرَفْنَا أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِفْطَارِ عَلَى وَجْهِ الْجِنَايَةِ وَهَذَا الْوَصْفُ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْجِمَاعَ وَالْأَكْلَ وَالشُّرْبَ عَلَى السَّوَاءِ فَيَثْبُت الْحُكْمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ وَعِنْدَ إلْحَاقِ هَذَا الْمَنْعِ يُضْطَرُّ إلَى بَيَانِ حَرْفِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْفِطْرَ بِالْجِمَاعِ فَوْقَ الْفِطْرِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي الْجِنَايَةِ فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِهِ قِيَاسًا وَلَا دَلَالَةَ، ثُمَّ قِيلَ: إيرَادُ هَذَا الْمِثَالِ هَاهُنَا غَيْرُ مُلَائِمٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَمْثِلَةِ الْقِسْمِ الرَّابِعِ فَإِنَّ السَّائِلَ مَنَعَ فِيهِ نِسْبَةَ الْحُكْمِ إلَى الْجِمَاعِ وَأَضَافَهُ إلَى وَصْفٍ آخَرَ وَهُوَ الْفِطْرُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُمَانَعَةٌ فِي الْوَصْفِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُعَلِّلَ جَعَلَ كَوْنَ الْكَفَّارَةِ مُتَعَلِّقَةً بِالْجِمَاعِ عِلَّةً لِلْمَنْعِ مِنْ الْوُجُوبِ فِي الْأَكْلِ وَالسَّائِلُ مَنَعَ كَوْنَهُ مُتَعَلِّقًا بِالْجِمَاعِ فَيَكُونُ مَانِعًا لِنَفْسِ الْوَصْفِ عَنْ كَوْنِهِ عِلَّةً فَيَصِحُّ إيرَادُهُ هَاهُنَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ وَمِمَّا يَتَحَقَّقُ فِيهِ مُمَانَعَةً نَفْسَ الْوَصْفِ قَوْلُهُمْ فِي بَيْعِ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَةِ أَنَّهُ بَيْعُ مَطْعُومٍ بِمَطْعُومٍ مِنْ جِنْسِهِ مُجَازَفَةً فَيَبْطُلُ كَبَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ الْحِنْطَةِ بِصُبْرَةٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ تُرِيدُونَ بِالْمُجَازَفَةِ مُجَازَفَةَ ذَاتٍ أَوْ وَصْفٍ أَيْ تُرِيدُونَ مُجَازَفَةً تَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْبَدَلَيْنِ أَوْ إلَى وَصْفِهِمَا مِنْ الرَّدَاءَةِ وَالْجَوْدَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِالذَّاتِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ وَالتَّسَاوِيَ فِي الْوَصْفِ سَاقِطَا الِاعْتِبَارِ فِي الْأَحْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ بِالْإِجْمَاعِ، ثُمَّ نَقُولُ مُجَازَفَةٌ فِي الذَّاتِ أَيْ تُرِيدُونَ مُجَازَفَةً فِي الذَّاتِ أَوْ تَقُولُونَ: هِيَ مُجَازَفَةٌ فِي الذَّاتِ بِاعْتِبَارِ صُورَتِهَا الَّتِي بِهَا عُرِفَتْ تُفَّاحَةٌ أَمْ هِيَ مُجَازَفَةٌ بِالنَّظَرِ إلَى الْمِعْيَارِ الَّذِي وُضِعَ لِمَعْرِفَةِ الْقَدْرِ مِنْ الْأَشْيَاءِ وَالضَّمِيرُ فِي صُورَتِهِ رَاجِعٌ إلَى الْمَبِيعِ أَوْ إلَى الذَّاتِ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ.
فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِالْمِعْيَارِ أَيْ بِالْمُجَازَفَةِ مِنْ حَيْثُ الْمِعْيَارُ؛ لِأَنَّ الْمُجَازَفَةَ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّ بَيْعَ قَفِيزٍ مِنْ حِنْطَةٍ بِقَفِيزٍ مِنْهَا جَائِزٌ مَعَ وُجُودِ الْمُجَازَفَةِ فِي الذَّاتِ صُورَةً فَرُبَّمَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَكْبَرَ مِنْ الْآخَرِ فِي عَدَدِ الْحَبَّاتِ وَالْأَجْزَاءِ فَإِنْ قِيلَ: أَيْ إنْ ذَكَرَ الْمُعَلِّلُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِي إلَى هَذَا التَّفْصِيلِ بَلْ أُرِيدُ بِهَا مُطْلَقَ الْمُجَازَفَةِ لَمْ نُسَلِّمْ لَهُ الْمُجَازَفَةَ مُطْلَقَةً أَيْ لَا نُسَلِّمُ لَهُ أَنَّ مُطْلَقَ الْمُجَازَفَةِ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ هَذَا الْبَيْعِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مِنْ الْمُجَازَفَةِ مَا لَا يَمْنَعُ بَيْعَ.

الصفحة 109