كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

فَيَظْهَرُ بِهِ فَقْدُ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْوِلَايَةَ ثَابِتَةٌ فَلَا يَمْنَعُهَا إلَّا الرَّأْيُ الْقَائِمُ فَأَمَّا الْمَعْدُومُ قَبْلَ الْوُجُودِ فَلَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا مَانِعًا أَوْ دَلِيلًا قَاطِعًا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا أَمْثِلَةُ مَا يَدْخُلُ فِي الْفَرْعِ وَفِيهِ قِسْمٌ آخَرُ وَهُوَ مَا يَدْخُلُ فِي الْأَصْلِ مِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ: إنَّهُ طَهَارَةُ مَسْحٍ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَالِاسْتِنْجَاءِ فَنَقُولُ: إنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لَيْسَ بِطَهَارَةِ الْمَسْحِ بَلْ طَهَارَةٌ عَنْ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَيُضْطَرُّ إلَى الرُّجُوعِ إلَى فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ بَيَانُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّكْرَارُ وَهُوَ الْغُسْلُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّخْفِيفُ وَهُوَ الْمَسْحُ وَهُمَا فِي طَرَفَيْ نَقِيضِ التَّكْرَارِ فِي أَحَدِهِمَا يُحَقَّقُ غَرَضُهُ وَفِي الثَّانِي يُفْسِدُهُ وَيَلْحَقُهُ بِالْمَحْظُورِ وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى.

وَأَمَّا الْمُمَانَعَةُ فِي الْحُكْمِ فَمِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ إنَّهُ رُكْنٌ فِي وُضُوءٍ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَغَسْلِ الْوَجْهِ فَنَقُولُ: إنَّ غَسْلَ الْوَجْهِ لَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ بَلْ يُسَنُّ تَكْمِيلُهُ بَعْدَ تَمَامِ فَرْضِهِ وَقَدْ حَصَلَ التَّكْمِيلُ هَا هُنَا وَلَكِنَّ التَّكْرَارَ صَيَّرَ إلَيْهِ فِي الْغُسْلِ لِضَرُورَةِ أَنَّ الْفَرْضَ اسْتَغْرَقَ مَحَلَّهُ وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِي هَذَا أَوْ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي الْأَصْلِ وَجَبَ بِالضَّرُورَةِ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْأَرْكَانِ لَكِنَّ التَّكْرَارَ إطَالَتُهُ لَا تَكْرَارُهُ كَمَا فِي غَيْرِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَصْفَ فِي الْفَرْعِ أَوْ الْأَصْلِ فَإِنْ قَالَ الْمُعَلِّلُ: لَا حَاجَة لِي إلَى التَّفْصِيلِ بَلْ اُشْتُرِطَ رَأْيُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ قُلْنَا لَهُ نَحْنُ نَقُولُ: بِمُوجِبِ مَا ذَكَرْت فَإِنَّ عِنْدَنَا لَا تُنْكَحُ إلَّا بِرَأْيِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ رَأْيَ الْوَلِيِّ قَائِمٌ مَقَامَ رَأْيِهَا كَمَا فِي عَامَّةِ التَّصَرُّفَاتِ فَإِنْ قَالَ: بِأَيِّهِمَا كَانَ يَعْنِي لَا أُرِيدُ بِإِطْلَاقِ الرَّأْيِ رَأْيَ الْغَيْرِ بَلْ أُرِيدُ رَأْيَ نَفْسِهَا قَائِمًا كَانَ أَوْ مُسْتَحْدَثًا انْتَقَضَ بِالثَّيِّبِ الْمَجْنُونَةُ الْبَالِغَةُ فَإِنَّهَا تُزَوَّجُ وَإِنْ كَانَ رَأْيُهَا مَرْجُوًّا بِالْإِفَاقَةِ إذْ الْجُنُونُ مُحْتَمِلٌ لِلزَّوَالِ لَا مَحَالَةَ كَالصَّبِيِّ، لَكِنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ بِأَنَّ الصَّغِيرَةَ بِالْبُلُوغِ تَصِيرُ مِنْ أَهْلِ الْإِذْنِ وَلِبُلُوغِهَا أَوَانٌ مُنْتَظَرٌ وَلَيْسَ لِإِفَاقَةِ الْمَجْنُونَةِ أَوَانٌ مُنْتَظَرٌ إلَيْهِ أُشِيرَ فِي التَّهْذِيبِ.
فَيَظْهَرُ بِهِ أَيْ بِمَا قُلْنَا مِنْ الْمُمَانَعَةِ فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ وِلَايَةَ الْوَلِيِّ ثَابِتَةٌ فَلَا يَقْطَعُهَا إلَّا رَأْيٌ قَائِمٌ وَهُوَ رَأْيُ الْبَالِغَةِ فَأَمَّا الْمَعْدُومُ قَبْلَ الْوُجُودِ وَهُوَ الرَّأْيُ الَّذِي سَيَحْدُثُ لِلصَّغِيرَةِ فَلَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا مَانِعًا لِوِلَايَةِ الْوَلِيِّ مِنْ الثُّبُوتِ أَوْ دَلِيلًا قَاطِعًا لِوِلَايَتِهِ عَنْهَا بَعْدَ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّ مَا سَيَحْدُثُ مِنْ مَانِعٍ أَوْ عِلَّةٍ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرًا فِي الْحُكْمِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ فِي الْمَنْعِ وَلَا فِي الْإِثْبَاتِ إذْ الْحُكْمُ لَا يَسْبِقُ عِلَّتَهُ فَكَيْفَ يَصْلُحُ الرَّأْيُ الْمَعْدُومُ مَانِعًا أَوْ قَاطِعًا.
وَلَوْ كَانَ الرَّأْيُ الْمَعْدُومُ الَّذِي سَيَحْدُثُ قَاطِعًا لِلْوِلَايَةِ لَمَا ثَبَتَ الْوِلَايَةُ عَلَى صَبِيٍّ وَصَبِيَّةٍ وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَ الرَّأْيَ الْمُسْتَحْدَثَ غَالِبًا دَلِيلًا عَلَى قَطْعِ اسْتِبْدَادِ وِلَايَةِ الْوَلِيِّ وَفِي نُكْتَةٍ جَعَلَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ النَّفَاذِ فَصَارَ مَحْجُوزًا بِسَبَبِ رَأْيِهَا فَالشَّيْخُ بِقَوْلِهِ شَرْطًا مَانِعًا أَوْ دَلِيلًا قَاطِعًا أَشَارَ إلَى الْمَعْنَيَيْنِ وَالْمَذْكُورُ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَعْدُومَ وَهُوَ الرَّأْيُ الْمُسْتَحْدَثُ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنْ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِلْجَدِّ فِيمَا إذَا مَاتَ أَبُو الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ وَانْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى الْجَدِّ أَوْ دَلِيلًا قَاطِعًا لِوِلَايَةِ الْوَلِيِّ فِيمَا إذَا ثَابَتَ وَالْوَلِيُّ بَاقٍ وَهَذَا الَّذِي قُلْنَا أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مُمَانَعَةِ الْوَصْفِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَمْثِلَةُ مُمَانَعَةِ الْوَصْفِ فِي الْفَرْعِ فَإِنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَوْنَ الْحُكْمِ مُتَعَلِّقًا بِالْجِمَاعِ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْجَدُّ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّهُ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ كَفَّارَةُ الصَّوْمِ مَمْنُوعٌ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ الْمُجَازَفَةُ فِي بَيْعِ الصُّبْرَةِ بِالصُّبْرَةِ مُسَلَّمٌ وَلَكِنَّهَا فِي التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَةِ مَمْنُوعَةٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ مَنْعُ رَجَاءِ الْمَشُورَةِ عَنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ مُسَلَّمٌ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْبَالِغَةُ دُونَ الْفَرْعِ وَهُوَ الصَّغِيرَةُ وَفِيهِ أَيْ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ مُمَانَعَةُ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ فَإِنَّ فِي مَسْأَلَةِ التَّثْلِيثِ الْوَصْفَ وَهُوَ قَوْلُهُ طَهَارَةُ مَسْحٍ مُسَلَّمٌ فِي الْفَرْعِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الِاسْتِنْجَاءُ بَلْ هُوَ طَهَارَةٌ عَنْ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَلِهَذَا كَانَ الْغُسْلُ فِيهِ أَفْضَلَ وَلَوْ أَحْدَثَ وَلَمْ يَحْصُلْ التَّلْوِيثُ بِأَنْ خَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ لَا يَلْزَمُهُ الْمَسْحُ وَلَا يُسَنُّ أَيْضًا فَعُلِمَ أَنَّهُ إزَالَةُ نَجَاسَةٍ حَقِيقِيَّةٍ.
فَيُضْطَرُّ الْمُعَلِّلُ إلَى الرُّجُوعِ إلَى فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ بَيَانُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّكْرَارُ إلَى آخِرِهِ يَعْنِي فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ يَدُورُ عَلَى مَعْرِفَةِ مَعْنَى الْغُسْلِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ التَّكْرَارُ وَعَلَى مَعْرِفَةِ مَعْنَى الْمَسْحِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ التَّخْفِيفُ وَهُمَا أَيْ الْمَسْحُ وَالْغَسْلُ فِي اقْتِضَاءِ التَّكْرَارِ فِي طَرَفَيْ نَقِيضٍ يَعْنِي لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مُتَنَاقِضَانِ فِي اقْتِضَاءِ التَّكْرَارِ فَإِنَّ التَّكْرَارَ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْغَسْلُ يُحَقِّقُ غَرَضَهُ وَهُوَ التَّنْظِيفُ وَالتَّطْهِيرُ الَّذِي وُضِعَ الْغَسْلُ لَهُ فَيَصْلُحُ التَّكْرَارُ مُكَمِّلًا لَهُ وَفِي الثَّانِي وَهُوَ الْمَسْحُ يُفْسِدُهُ أَيْ يُفْسِدُ التَّكْرَارَ حَقِيقَتَهُ وَيُلْحِقُهُ بِالْمَحْظُورِ وَهُوَ الْغُسْلُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْغَسْلَ فِي مَوْضِعِ الْمَسْحِ مَكْرُوهٌ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ

الصفحة 111