كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ أَنَّهُ صَوْمُ فَرْضٍ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ يُقَالُ لَهُ بَعْدَ التَّعْيِينِ أَوْ قَبْلَهُ فَإِنْ قَالَ بَعْدَهُ لَمْ نَجِدْهُ فِي الْأَصْلِ فَصَحَّتْ الْمُمَانَعَةُ فَإِنْ قَالَ قَبْلَهُ لَمْ نَجِدْهُ فِي الْفَرْعِ فَصَحَّتْ الْمُمَانَعَةُ أَيْضًا فَإِنْ قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي إلَى هَذَا قُلْنَا: عِنْدَنَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِالتَّعْيِينِ غَيْرَ أَنَّ إطْلَاقَهُ تَعْيِينٌ وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي بَيْعِ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَةِ أَنَّهُ بَيْعُ مَطْعُومٍ بِجِنْسِهِ مُجَازَفَةً فَيَحْرُمُ كَالصُّبْرَةِ بِالصُّبْرَةِ يُقَالُ لَهُ: يَحْرُمُ حُرْمَةً مُؤَقَّتَةً أَوْ مُطْلَقَةً فَإِنْ قَالَ: مُؤَقَّتَةً لَمْ نَجِدْهَا فِي الْفَرْعِ لِعَدَمِ الْمُخَلِّصِ وَإِنْ قَالَ: مُطْلَقَةً لَمْ نَجِدْهَا فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ عِنْدَنَا فِي الْأَصْلِ مُتَنَاهِيَةٌ فَصَحَّتْ الْمُمَانَعَةُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ فِي شَرْعِيَّةِ التَّكْرَارِ عِبَارَةُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فَيُضْطَرُّ الْمُعَلِّلُ عِنْدَ هَذَا الْمَنْعِ إلَى الرُّجُوعِ إلَى حَرْفِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ إثْبَاتُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَمْسُوحِ وَالْمَغْسُولِ بِوَصْفٍ صَالِحٍ لِتَعَلُّقِ حُكْمِ التَّكْرَارِ بِهِ أَوْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا بِوَصْفِ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِيعَابِ وَالْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى التَّخْفِيفِ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْمُمَانَعَةُ فِي الْحُكْمِ) وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنْ وُجُوهِ الْمُمَانَعَةِ فَنَقُولُ كَذَا يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَسْنُونَ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ التَّثْلِيثُ بَلْ الْمَسْنُونُ فِيهِ التَّكْمِيلُ بَعْدَ تَمَامِ فَرْضِهِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْقَدْرِ الْمَفْرُوضِ فِي مَحَلِّهِ مِنْ جِنْسِهِ كَمَا فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ إكْمَالَ رُكْنِ الْقِرَاءَةِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْقَدْرِ الْمَفْرُوضِ فِي مَحَلِّهِ مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ وَكَذَلِكَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَقَدْ حَصَلَ التَّكْمِيلُ هَاهُنَا أَيْ فِي الْمَسْحِ بِالِاسْتِيعَابِ الَّذِي هُوَ سُنَّةٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْقَدْرِ الْمَفْرُوضِ فِي مَحَلِّهِ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَكِنَّ التَّكْرَارَ الِاسْتِدْرَاكُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ بَلْ يُسَنُّ تَكْمِيلُهُ يَعْنِي التَّكْرَارُ فِي الْغُسْلِ لَيْسَ بِأَمْرٍ مَقْصُودٍ بَلْ الْمَقْصُودُ هُوَ التَّكْمِيلُ إلَّا أَنَّ الْفَرْضَ لَمَّا اسْتَغْرَقَ مَحَلَّهُ فِي الْغُسْلِ لَا يُمْكِنُ تَكْمِيلُهُ بِزِيَادَةٍ مِنْ جِنْسِهِ فِي مَحَلِّهِ إلَّا بِالتَّكْرَارِ فَكَانَ شَرْعِيَّةُ التَّكْرَارِ سُنَّةً ضَرُورَةَ فَرْضِيَّةِ الِاسْتِيعَابِ لَا لِغَيْرِ التَّكْرَارِ قَصْدًا وَهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ اسْتِيعَابُ الْفَرْضِ مَحَلُّهُ مَعْدُومٌ فِي الْمَسْحِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ فِيهِ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّكْرَارِ لِإِقَامَةِ سُنَّةِ التَّكْمِيلِ فِيهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِاسْتِيعَابِ جَمِيعِ الرَّأْسِ مَرَّةً وَاحِدَةً.
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التَّكْرَارُ مَشْرُوعٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْإِكْمَالِ بِهِ لَا لِعَيْنِهِ وَمَا كَانَ مَشْرُوعًا لِغَيْرِهِ قَائِمًا يُشْرَعُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الْغَيْرِ فِي مَوْضِعٍ يَتَحَقَّقُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَإِمَّا إذَا كَانَ مَا شُرِعَ لِأَجْلِهِ يَحْصُلُ بِدُونِهِ لَا يُفِيدُ اعْتِبَارُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَرَّرَ الْمَسْحَ فِي رُبْعِ الرَّأْسِ أَوْ أَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ لَا يَحْصُلُ بِهِ كَمَالُ السُّنَّةِ مَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ جَمِيعَ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ فَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ التَّكْمِيلَ هَاهُنَا بِالِاسْتِيعَابِ وَأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ عَنْهُ بِأَنْ يَكُونَ الِاسْتِيعَابُ رُكْنًا فِي الْمَغْسُولَاتِ فَحِينَئِذٍ يُصَارُ إلَى الْإِكْمَالِ بِالتَّكْرَارِ.
وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِإِكْمَالِ الْمَسْحِ بِالرَّأْسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ حَتَّى لَمْ يَتَأَدَّ فَرْضُ الْمَسْحِ بِهِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَسْحَ لِإِكْمَالِ السُّنَّةِ فِي الْمَسْحِ بِالرَّأْسِ وَلِهَذَا لَا يَأْخُذُ لِأُذُنَيْهِ مَاءً جَدِيدًا عِنْدَنَا وَلَكِنْ يَمْسَحُ مُقَدِّمَهُمَا وَمُؤَخِّرَهُمَا مَعَ الرَّأْسِ وَالْمَسْحُ فِيهِمَا أَفْضَلُ مِنْ الْغَسْلِ إلَّا أَنَّ كَوْنَ الْأُذُنَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ لَمَّا كَانَ ثَابِتًا بِالسُّنَّةِ دُونَ نَصِّ الْكِتَابِ يَثْبُتُ اتِّحَادُ الْمَحَلِّ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى إكْمَالِ السُّنَّةِ بِهِ وَلَا يُثْبِتُ الْمَحَلِّيَّةَ فِيمَا يَتَأَدَّى بِهِ الْفَرْضُ الثَّابِتُ بِالنَّصِّ فَقُلْنَا: لَا يَنُوبُ مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ عَنْ الْمَسْحِ بِالرَّأْسِ لِهَذَا وَلِأَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْغَسْلُ إطَالَتُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ النُّكْتَتَيْنِ أَنَّ الْأُولَى لِبَيَانِ مَشْرُوعِيَّةِ نَفْسِ التَّكْمِيلِ فِي الْأَصْلِ أَيْ التَّكْمِيلُ سُنَّةٌ فِيهِ دُونَ التَّثْلِيثِ وَالثَّانِيَةُ لِبَيَانِ مَشْرُوعِيَّةِ سَبَبِ التَّكْمِيلِ فِيهِ فَإِنَّ بِالْإِطَالَةِ يَحْصُلُ التَّكْمِيلُ كَمَا فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لِمَا قُلْنَا مِنْ اسْتِغْرَاقِ الْفَرْضِ مَحَلَّهُ قَوْلُهُ.
(وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ) أَيْ فِي مَنْعِ جَوَازِهِ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ إنَّهُ صَوْمُ فَرْضٍ فَلَا يَصِحُّ أَدَاؤُهُ إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ كَصَوْمِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ يُقَالُ لَهُ أَيْ لِلْمُعَلِّلِ بَعْدَ التَّعَيُّنِ أَوْ قَبْلَهُ أَيْ أَتُرِيدُ بِوُجُوبِ التَّعَيُّنِ وُجُوبَهُ بَعْدَ تَعَيُّنِ الصَّوْمِ أَوْ قَبْلَهُ فَإِنْ قَالَ: بَعْدَهُ لَمْ نَجِدْهُ أَيْ هَذَا الْحُكْمُ وَهُوَ وُجُوبُ التَّعْيِينِ بَعْدَ التَّعْيِينِ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ صَوْمُ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ بَعْدَ التَّعَيُّنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ فَيَكُونُ هَذَا مُمَانَعَةَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ قَالَ قَبْلَهُ أَيْ قَالَ

الصفحة 112