كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَالثَّانِي لَا يَحْتَمِلُهُ عِنْدَنَا وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ لِمَا قُلْنَا كَالْأَثْمَانِ؛ لِأَنَّ عِنْدَنَا الشَّرْطَ فِي الْأَثْمَانِ التَّعْيِينُ لَا الْقَبْضُ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ فِيمَنْ اشْتَرَى أَبَاهُ يَنْوِي عَنْ الْكَفَّارَةِ إنَّ الْعَتِيقَ أَبٌ فَصَارَ كَالْمِيرَاثِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحْتَمِلُ جَهَالَةَ الْوَصْفِ فِي الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بِمُجَرَّدِ ذِكْرِ اسْمِ الْجِنْسِ كَالْعَبْدِ وَالشَّاةِ وَالْفَرَسِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ وَصْفٍ وَالثَّانِي وَهُوَ السَّلَمُ لَا يَحْتَمِلُهُ أَيْ لَا يَحْتَمِلُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ جَهَالَةُ الْوَصْفِ فَإِنَّ إعْلَامَ الْمُسَلَّمِ فِيهِ عِنْدَ الْعَقْدِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى فِيهِ تَفَاوُتٌ فَاحِشٌ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ عَلَى وَجْهٍ يَلْتَحِقُ بِذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فِي صِفَةِ الْمَالِيَّةِ شَرْطٌ لِجَوَازِ عَقْدِ السَّلَمِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ وَقَوْلُهُ عِنْدَنَا مُتَعَلِّقٌ بِالْمَجْمُوعِ أَيْ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْمَهْرِ وَالسَّلَمِ فِي أَنَّ الْمَهْرَ يَحْتَمِلُ جَهَالَةَ الْوَصْفِ وَالسَّلَمُ لَا يَحْتَمِلُهَا مَذْهَبُنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُمَا مُتَمَاثِلَانِ إذْ الْمَهْرُ لَا يَحْتَمِلُ جَهَالَةَ الْوَصْفِ أَيْضًا كَالسَّلَمِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ أَوْ فَرَسٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَهُ دُونَ الْمُسَمَّى كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَابَّةٍ فَيَصِحُّ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ عَلَى أَصْلِهِ لِتَمَاثُلِهِمَا إلَّا أَنَّ هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِفَضْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَلَا يَصْلُحُ مُلْزَمًا عَلَى الْخَصْمِ وَبَعْدَ هَذِهِ الْمُمَانَعَةِ لَا يَجِدُ الْمُعَلِّلُ بُدًّا مِنْ الرُّجُوعِ إلَى فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ إثْبَاتُ أَنَّ الْحَيَوَانَ يَصِيرُ مَعْلُومًا بَيَانُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ فَإِنَّهُ مَتَى ذُكِرَ التَّعَيُّنُ امْتَازَ عَنْ سَائِرِ أَجْنَاسِ الْحَيَوَانَاتِ وَمَتَى ذُكِرَ أَنَّهُ بُخْتِيٌّ امْتَازَ عَنْ سَائِرِ أَنْوَاعِهِ وَإِذَا قَالَ حِقَّةٌ وَسَمِينٌ مِنْ نَسْلِ إبِلٍ فَلَأَنْ امْتَازَ عَنْ سَائِرِ أَسْنَانِهِ وَأَوْصَافِهِ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا جَهَالَةٌ لَا يُمْكِنُ الْعِبَارَةُ عَنْهَا فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا كَمَا فِي الثِّيَابِ فَإِنَّ الثَّوْبَ وَإِنْ اسْتَقْصَى فِي وَصْفِهِ يَبْقَى بَيْنَ الْأَمْثَالِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ الْوَصْفِ ضَرْبُ جَهَالَةٍ حَتَّى لَوْ اسْتَهْلَكَ أَحَدٌ تِلْكَ الْأَمْثَالَ عَلَى آخَرَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لَا الْمِثْلَ لِلْآخَرِ ثَوْبًا مِثْلَهُ فِي السَّلَمِ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْحَيَوَانِ.
وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّمَا يَثْبُتُ جَوَازُ السَّلَمِ عِنْدَ ذِكْرِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ إذَا ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ عَنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ وَالْتَحَقَ بِبَيَانِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِمَا لَيْسَ فِيهِ تَفَاوُتٌ فَمَتَى بَقِيَ بَعْد ذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَفَاوُتٌ فَاحِشٌ لَمْ يَكُنْ ذِكْرُهَا مُغْنِيًا لِبَقَاءِ الْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَالْحَيَوَانُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَإِنَّا نَرَى بَعِيرَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْهَيْئَةِ وَالسِّنِّ وَالسِّمَنِ وَاللَّوْنِ وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ عَظِيمٌ فِي الْمَالِيَّةِ وَكَذَا الْعَبِيدُ وَالْأَفْرَاسُ فَتَبْقَى الْجَهَالَةُ فِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَتَمْنَعُ جَوَازَ السَّلَمِ كَمَا فِي اللَّآلِي وَالْخَلِفَاتِ بِخِلَافِ الثِّيَابِ إذَا وُصِفَتْ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا لَيْسَ بِفَاحِشٍ؛ لِأَنَّهَا مَصْنُوعَةُ الْعَبْدِ وَهُوَ يَصْنَعُ بِآلَةٍ وَمَتَى اتَّحَدَتْ الْآلَةُ وَالصَّانِعُ يَتَّحِدُ الْمَصْنُوعُ فِي الْوَصْفِ فَأَمَّا مَا يَحْدُثُ بِإِحْدَاثِ اللَّهِ تَعَالَى فَبِقُدْرَتِهِ مِنْ غَيْرِ آلَةٍ وَمِثَالٍ إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْأَسْرَارِ وَمِثْلٌ قَوْلِهِمْ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي الْمَجْلِسِ لِمَا قُلْنَا فِي بَابِ التَّرْجِيحِ إنَّهُمَا مَالَانِ لَوْ قُوبِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ يُحَرِّمُ رِبَا الْفَضْلِ فَكَانَ الْقَبْضُ شَرْطًا فِيهِ كَمَا لَوْ بَاعَ ثَمَنًا بِثَمَنٍ؛ لِأَنَّ عِنْدَنَا اللَّامَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ هَذَا الْحُكْمُ وَهُوَ اشْتِرَاطُ الْقَبْضِ مَمْنُوعٌ فِي بَيْعِ الثَّمَنِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَنَا الشَّرْطَ فِي الْأَثْمَانِ التَّعْيِينُ لِإِزَالَةِ صِفَةِ الدِّينِيَّةِ لَا الْقَبْضِ إلَّا أَنَّ التَّعْيِينَ لَا يَحْصُلُ فِي الْأَثْمَانِ مَا لَمْ تُقْبَضْ فَشُرِطَ الْقَبْضُ فِيهَا لِحُصُولِ التَّعْيِينِ لَا لِذَاتِهِ وَهَاهُنَا التَّعْيِينُ حَصَلَ بِالْإِشَارَةِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ.
فَيَرْجِعُ الْمُعَلِّلُ إذًا بِالضَّرُورَةِ إلَى مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ بَيَانُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ لَيْسَ لِإِزَالَةِ صِفَةِ الدِّينِيَّةِ بَلْ لِلصِّيَانَةِ عَنْ مَعْنَى الرِّبَا بِمَنْزِلَةِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْقَدْرِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ فِيمَنْ اشْتَرَى أَبَاهُ إذَا اشْتَرَى أَبَاهُ نَاوِيًا عَنْ كَفَّارَةٍ يَجِبُ فِيهَا الْإِعْتَاقُ يَجُوزُ وَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ

الصفحة 115