كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

فَأَمَّا قَرَابَةُ النَّبِيِّ فَخِلْقَةٌ وَلِتَكُونَ لَهَا صِيَانَةٌ عَنْ أَعْوَاضِ الدُّنْيَا وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ النُّصْرَةُ وَصْفًا يَتِمُّ بِهَا الْقَرَابَةُ عِلَّةُ مَا سَبَقَ فِي بَابِ التَّرْجِيحِ أَنَّ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً بِنَفْسِهِ لَا يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ وَلِأَنَّهَا تُخَالِفُ جِنْسَ الْقَرَابَةِ فَلَمْ يَصْلُحْ وَصْفًا لَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQالنُّصْرَةُ الَّتِي هِيَ الْعِلَّةُ عِنْدَكُمْ لَا تَكُونُ مِنْ الطَّاعَاتِ؛ لِأَنَّهَا وُجِدَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْكُفْرُ مُنَافٍ لِجَمِيعِ الطَّاعَاتِ فَلَا تَصْلُحُ سَبَبًا لِلْكَرَامَةِ قُلْنَا: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْفِعْلُ مِنْهُمْ مَخْصُوصًا بِالصِّيَانَةِ عَنْ الْفَسَادِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِتَعَلُّقِهِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رُوِيَ «أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ نَفَعْت عَمَّك أَبَا طَالِبٍ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ فِي طَمْطَامٍ مِنْ النَّارِ فَأَخْرَجْتُهُ إلَى ضَحْضَاحٍ مِنْهَا» وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ التَّخْفِيفُ إلَّا بِإِحْسَانِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنُصْرَتِهِ لَهُ وَلَمْ يَبْطُلْ بِسَبَبِ الْكُفْرِ وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَنَّ الْعَذَابَ يُخَفَّفُ عَنْ أَبِي لَهَبٍ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ بِذَبْحِهِ نَسِيكَةً اسْتِبْشَارًا بِمَوْلِدِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَانَ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ فَلَمَّا صَلَحَ مِثْلُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ مَعَ الْكُفْرِ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ فِي الْآخِرَةِ لَأَنْ يَصْلُحَ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ سَهْمِ الْغَنِيمَةِ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَانَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ (وَلِيَكُونَ) عُطِفَ عَلَى الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ أَيْ جَعَلْنَا النُّصْرَةَ عِلَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ دُونَ الْقَرَابَةِ لِكَذَا وَلِيَكُونَ جَعَلْنَا النُّصْرَةَ عِلَّةَ صِيَانَةٍ لِقَرَابَةِ الرَّسُولِ عَنْ أَعْوَاضِ الدُّنْيَا أَصْلًا؛ لِأَنَّ دَرَجَةَ قَرَابَتِهِ أَعْلَى مِنْ أَنْ تُجْعَلَ عِلَّةً لِاسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا وَلِهَذَا صَارَتْ سَبَبًا لِلْحِرْمَانِ عَنْ الزَّكَاةِ وَلَمْ تَصْلُحْ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ حَتَّى لَمْ يَرِثْ أَقْرِبَاءُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْهُ فَثَبَتَ أَنَّ جَعْلَ النُّصْرَةِ عِلَّةً أَوْلَى قَوْلُهُ (وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ النُّصْرَةُ وَصْفًا يَتِمُّ بِهَا الْقَرَابَةُ عِلَّةً) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَمَّا قَالَ الْخَصْمُ أَنَا لَا أَهْدِرُ وَصْفَ النُّصْرَةِ وَلَكِنْ أَجْعَلُ الْقَرَابَةَ عِلَّةً كَمَا اقْتَضَاهُ النَّصُّ وَأَجْعَلُ النُّصْرَةَ وَصْفًا يَتِمُّ بِهَا الْقَرَابَةُ عِلَّةً وَيَتَرَجَّحُ بِهَا عَلَى الْقَرَابَةِ الَّتِي لَمْ يُوجَدْ فِيهَا وَصْفُ النُّصْرَةِ كَالْعَدَالَةِ فِي الشَّاهِدِ وَالنَّمَاءِ فِي النِّصَابِ وَالتَّأْثِيرِ فِي الْوَصْفِ الْمُلَائِمِ فَإِنَّ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ تَتِمُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عِلَّةً تَتَرَجَّحُ عَلَى مَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ هَذِهِ الْأَوْصَافُ وَلِهَذَا أَعْطَيْنَا بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ دُونَ غَيْرِهِمْ لِوُجُودِ هَذَا الْوَصْفِ فِي قَرَابَتِهِمْ دُونَ قَرَابَةٍ مِنْ سِوَاهُمْ.
فَقَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ النُّصْرَةَ وَصْفًا مُتَمِّمًا لِلْقَرَابَةِ عِلَّةً وَمُرَجِّحًا لَهَا لِمَا مَرَّ أَنَّ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً بِنَفْسِهِ لَا يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ وَالنُّصْرَةُ بِنَفْسِهَا تَصْلُحُ عِلَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ كَمَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ فَلَا يَصْلُحُ وَصْفًا مُرَجِّحًا لِلْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّهَا أَيْ وَلِأَنَّ النُّصْرَةَ تُخَالِفُ جِنْسَ الْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ ذَاتٌ لَيْسَ فِيهَا صُنْعٌ لِأَحَدٍ وَالنُّصْرَةُ فِعْلٌ مِنْ جِنْسِ الطَّاعَاتِ فِي الْأَصْلِ.
وَأَثَرُهُمَا مُخْتَلِفٌ أَيْضًا فَإِنَّ الْقَرَابَةَ سَبَبٌ لِإِيجَابِ الصِّلَةِ فِي مَالِ الْقَرِيبِ دُونَ غَيْرِهِ وَالنُّصْرَةُ سَبَبٌ لِإِيجَابِ الصِّلَةِ فِي مَالِ الْغَيْرِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَصْلُحْ النُّصْرَةُ وَصْفًا لِلْقَرَابَةِ لِتَتَرَجَّحَ الْقَرَابَةُ بِهِ كَمَا فِي ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ أَوْ زَوْجٌ لَا يَصْلُحُ الزَّوْجِيَّةُ أَوْ الْأُخُوَّةُ وَصْفًا مُرَجِّحًا لِقَرَابَةِ الْعُمُومَةِ لِلِاخْتِلَافِ بِخِلَافِ أَخَوَيْنِ لِأَبٍ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ حَيْثُ يَصْلُحُ الْأُخُوَّةُ لِأُمٍّ وَصْفًا مُرَجِّحًا لِلْإِخْوَةِ لِأَبٍ لِاتِّحَادِ جِنْسِ الْقَرَابَةِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ عَلَى أَنَّا إنْ سَلَّمْنَا أَنَّ النُّصْرَةَ تَصْلُحُ مُرَجِّحَةً لِلْقَرَابَةِ فَإِنَّمَا تَصْلُحُ فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا بَعْدَ وَفَاتِهِ لِفَوَاتِ هَذَا الْوَصْفِ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَكَانَتْ الْقَرَابَةُ بَعْدَ وَفَاةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمَنْزِلَةِ نِصَابٍ لَمْ يَبْقَ نَمَاؤُهُ وَبِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ لَمْ تَبْقَ عَدَالَتُهُ فَسَارَتْ قَرَابَةُ بَنِي نَوْفَلٍ وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تُجْعَلَ النُّصْرَةُ وَصْفًا لِلْقَرَابَةِ نَجْعَلُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِلَّةً عَلَى حِدَةٍ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّلًا بِعِلَّتَيْنِ.
قُلْنَا: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ بِانْفِرَادِهَا لَا تَصْلُحُ عِلَّةً بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّ بَنِي نَوْفَلٍ وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ لَا يَسْتَحِقُّونَ شَيْئًا وَإِذَا لَمْ تَصْلُحْ الْقَرَابَةُ عِلَّةً وَلَمْ يَصْلُحْ النُّصْرَةُ وَصْفًا لَهَا كَانَتْ الْعِلَّةُ هِيَ النُّصْرَةَ لَا غَيْرُ كَمَا بَيَّنَّا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَدًّا لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ

الصفحة 145