كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَعَلَى مَسَائِلِ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُمْلَكُ عِنْدَ تَمَامِ الْجِهَادِ حُكْمًا بِالْأَخْذِ مَقْصُودًا وَيُبْتَنَى عَلَيْهِ مَسَائِلُ لَا تُحْصَى.
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْقُرْبَى وَحَقِيقَتِهَا لِلْقَرَابَةِ وَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالنُّصْرَةِ فَصَارَ الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا تَابِعًا لِلْآخَرِ وَقَدْ عُدِمَ أَحَدُ الْوَصْفَيْنِ وَهُوَ النُّصْرَةُ بَعْدَ وَفَاةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا يَبْقَى الْحُكْمُ كَمَا أَنَّهُ لَمَّا عُدِمَ أَحَدُ الْوَصْفَيْنِ فِي حَقِّ بَنِي نَوْفَلٍ وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فِي حَيَاتِهِ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِحْقَاقُ فَبَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِمَنْزِلَةِ بَنِي نَوْفَلٍ وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فِي حَيَاتِهِ.
فَقَالَ: لَمَّا صَلَحَتْ النُّصْرَةُ عِلَّةً بِنَفْسِهَا لِمَا بَيَّنَّا لَا يَصْلُحُ قَرِينَةً لِلْقَرَابَةِ مُتَمِّمَةً لِكَوْنِهَا عِلَّةً لِمَا سَبَقَ أَنَّ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً بِنَفْسِهِ لَا يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ تَابِعًا لِعِلَّةٍ أُخْرَى فَلَأَنْ لَا يَصْلُحَ جُزْءَ الْعِلَّةِ أَوْلَى كَانَ؛ لِأَنَّ فِي جُزْءِ الْعِلَّةِ إبْطَالَ كَوْنِهِ عِلَّةً وَلَيْسَ فِي التَّرْجِيحِ بِهِ ذَلِكَ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَلِأَنَّهَا يُخَالِفُ جِنْسَ الْقَرَابَةِ فَلَمْ يَصْلُحْ وَصْفًا لَا يُلَائِمُ هَذَا الْوَجْهَ.
وَأَمَّا تَمَسُّكُ الْخَصْمِ بِخَبَرِ التَّعْوِيضِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ لِكَرَامَتِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا عَلَيْهِمْ نُقْصَانٌ يَحْتَاجُ إلَى جَبْرِهِ بِالتَّعْوِيضِ وَلَوْ كَانَ هَذَا السَّهْمُ ثَبَتَ لَهُمْ عِوَضًا عَنْ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الصَّدَقَةَ لَوْلَا قَرَابَةُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُمْ الْفُقَرَاءُ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَحِقَّهُ بَنُو الْمُطَّلِبِ لِعَدَمِ الْحُرْمَةِ فِي حَقِّهِمْ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ التَّعْوِيضِ عَنْ الصَّدَقَةِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ تَطْيِيبَ قُلُوبِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنْ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الصَّدَقَةَ كَرَامَةً فَقَدْ أَعْطَاكُمْ مَالًا آخَرَ أَطْيَبَ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَمَّاهُ تَعْوِيضًا مَجَازًا بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ فَقَدْ ذَهَبَ مَالٌ وَحَضَرَ آخَرُ كَمَا سُمِّيَ بَيْعُ الْحُرِّ بَيْعًا بِحُكْمِ الصُّورَةِ عَلَى أَنَّ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا الِاسْتِحْقَاقُ فِي حَقِّ مَنْ ثَبَتَ التَّعْوِيضُ فِي حَقِّهِمْ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ بَاقٍ وَالْخِلَافُ فِي الْأَغْنِيَاءِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: إنَّ حَدِيثَ التَّعْوِيضِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُمْ هَذَا السَّهْمَ عَلَى نَحْوِ اسْتِحْقَاقِ الصَّدَقَةِ لَوْلَا الْقَرَابَةُ وَاسْتِحْقَاقُهُمْ لِلصَّدَقَةِ لَوْلَا الْقَرَابَةُ كَانَ عَلَى وَجْهِ جَوَازِ الصَّرْفِ إلَيْهِمْ لَا وُجُوبِ الصَّرْفِ إلَيْهِمْ فَكَذَلِكَ هَذَا السَّهْمُ وَنَحْنُ نُجَوِّزُ صَرْفَ بَعْضِ الْخُمُسِ إلَيْهِمْ وَإِنَّمَا نُنْكِرُ وُجُوبَ الصَّرْفِ إلَيْهِمْ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا مُتَمَسَّكَ لِلْخَصْمِ فِي حَدِيثِ التَّعْوِيضِ وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - احْتَجَّ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَسَّمُوا الْخُمُسَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَلَا مُعَدَّلَ عَنْ إجْمَاعِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ غَيْرِ إنْكَارِ أَحَدٍ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا مَسَائِلُ أَصْحَابِنَا) أَيْ عَلَى أَنَّ الْغَنَائِمَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ لِابْتِنَائِهَا عَلَى الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ بُنِيَتْ مَسَائِلُ أَصْحَابِنَا فِي أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُمْلَكُ عِنْدَ تَمَامِ الْجِهَادِ حُكْمًا يَعْنِي يُبْتَنَى عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُمْلَكُ عِنْدَ تَمَامِ الْجِهَادِ حُكْمًا وَذَلِكَ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ.
وَيُبْتَنَى عَلَى أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُمْلَكُ بِكَذَا مَسَائِلُ أَصْحَابِنَا فَكَانَتْ الْمَسَائِلُ مَبْنِيَّةً عَلَى الْأَصْلِ الْأَوَّلِ بِوَاسِطَةِ الْأَصْلِ الثَّانِي وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْغَنَائِمِ لَا يَتِمُّ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَتِمُّ بِنَفْسِ الْأَخْذِ إذَا اسْتَقَرَّتْ الْهَزِيمَةُ وَمِمَّا يَبْتَنِي عَلَيْهِ أَنَّ قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا تَجُوزُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ وَإِنْ وَاحِدًا مِنْ الْغَانِمِينَ لَوْ مَاتَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْهَزِيمَة قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُوَرِّثْ نَصِيبَهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ وَإِنَّ الْمَدَدَ إذَا لَحِقَ الْجَيْشَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ قَرَارِ الْهَزِيمَةِ شَارَكُوهُمْ فِي الْغَنَائِمِ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ وَإِنَّ الْإِمَامَ إذَا نَقَلَ جَارِيَةً لَمْ يَحِلَّ

الصفحة 146