كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَأَمَّا الزَّوَائِدُ فَالنَّوَافِلُ كُلُّهَا وَالسُّنَنُ وَالْآدَابُ. .

وَأَمَّا الْعُقُوبَاتُ الْكَامِلَةُ فَمِثْلُ الْحُدُودِ وَأَمَّا الْقَاصِرَةُ فَنُسَمِّيهَا أَجْزِيَةً.
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْمُنْقِلِ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا مَا لَمْ يُحْرِزْهَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَيَبْتَنِي عَلَيْهِ مَسَائِلُ لَا تُحْصَى أَيْ كَثِيرَةٌ هُوَ يَقُولُ: الِاسْتِيلَاءُ سَبَبُ الْمِلْكِ فِي الْمَالِ الْمُبَاحِ بِلَا خِلَافٍ وَالْعَاصِمُ مَفْقُودٌ فِي أَمْوَالِهِمْ وَقَدْ سَلَّطْنَا الشَّرْعَ عَلَى تَمَلُّكِ مَا فِي أَيْدِيهمْ فَكَانَتْ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَقَدْ تَمَّ الِاسْتِيلَاءُ بِكَوْنِ الْمَحَلِّ فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ حِسًّا وَعِيَانًا وَكَوْنُهُمْ فِي دَارِهِمْ لَا يَمْنَعُ كَوْنَ الشَّيْءِ فِي يَدِ الْمُسْتَوْلِي الْمُتَصَرِّفِ فِيهِ حِسًّا وَحَقِيقَةً.
وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّا حَكَمْنَا بِزَوَالِ مِلْكِهِمْ عَنْ الْغَنَائِمِ وَمَتَى لَمْ تَمْنَعْ الدَّارُ زَوَالَ مِلْكِهِمْ لَمْ تَمْنَعْ تَمَامَ الِاسْتِيلَاءِ وَأَنَّا نَقُولُ: تَمَلُّكُ الْغَنَائِمِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ تَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ فَإِنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى وُجُوبِ الْخُمُسِ وَثُبُوتِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمُبَاشِرِ وَالرَّدْءِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَرُّفِ عَنْ سَبَبِهِ فَنَقُولُ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْوَضْعِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الْجِهَادِ وَاقِعًا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِتَمَلُّكِ مَالٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَرَدَّدُ حِينَئِذٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً وَاقِعَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِتَمَلُّكِ الْمَالِ كَالْبَيْعِ فَيَتَحَقَّقُ فِي الْفِعْلِ مَعْنَى الشَّرِكَةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَيَجِبُ تَجْرِيدُ الْفِعْلِ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ مَشْرُوعًا لِقَهْرِ الْكُفَّارِ وَإِعْلَاءِ الدِّينِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ وَالِانْتِزَاعُ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَاقِعٌ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ لِأَعْدَائِهِ، ثُمَّ أَنَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ جَعَلَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ جُزْءًا مُعَجَّلًا لِلْمُجَاهِدِ فَكَانَ الْجِهَادُ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ مِنْ حَيْثُ الْجَزَاءُ وَالثَّوَابُ لَا بِاعْتِبَارِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا} [آل عمران: 148] وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَغَانِمُ وَفِعْلُ الْجِهَادِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِقَهْرِ جَمِيعِ أَهْلِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُمْ انْتَصَبُوا لِلذَّبِّ عَمَّا يَعْتَقِدُونَ فَصَارُوا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِ الْقَهْرِ بِالْكُلِّ بِأَقْصَى مَا يُتَصَوَّرُ وَمَعْنَى الْقَهْرِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا إذَا لَزِمَ بِحَيْثُ عَجَزُوا عَنْ دَفْعِهِ وَمُقَاوَمَتِهِ، ثُمَّ أُخِذَ الْمَالُ وَإِنْ وَقَعَ مِنَّا عَلَى سَبِيلِ الْمُغَالَبَةِ لَكِنْ مَا دَامُوا يَقْدِرُونَ عَلَى الِانْتِقَامِ مِنَّا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْقَهْرِ وَمَتَى وُجِدَ الْإِحْرَازُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَقَدْ عَجَزُوا عَنْ الدَّفْعِ فَلَزِمَ الْقَهْرُ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَتَمَّ الْجِهَادُ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ فَيَسْتَحِقُّهُ جَزَاءً عَلَيْهِ.
فَهَذَا بَيَانُ بِنَاءِ هَذَا الْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّ الْغَنِيمَةَ تَمَلُّكٌ عَنْ تَمَامِ الْجِهَادِ حُكْمًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْغَنَائِمِ ثَبَتَ عَلَى سَبِيلِ الْجَزَاءِ عَلَى الْجِهَادِ وَأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ عَلَى الْمَالِ وَأَخْذَهُ عَمَلٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَعُرِفَ بِهِ وَجْهُ التَّمْشِيَةِ فِي الْمَسَائِلِ وَعُرِفَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي وُقُوعِ الِاسْتِيلَاءِ تَامًّا وَغَيْرَ تَامٍّ مُسْتَغْنًى عَنْهُ وَقَوْلُهُ إنَّا حَكَمْنَا بِزَوَالِ مِلْكِهِمْ قُلْنَا نَحْنُ: إنَّمَا نُثْبِتُ الْمِلْكَ لَهُمْ بِاعْتِبَارِ وُقُوعِ الشَّيْءِ فِي تَصَرُّفِهِمْ حَقِيقَةً فَأَمَّا فِي التَّحْقِيقِ فَلَا مِلْكَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَرِقَّاءُ بِمَنْزِلَةِ الْأَمْوَاتِ فِي حَقِّنَا عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا كَذَا ذَكَّرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْفَضْلِ فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الزَّوَائِدُ) وَهِيَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الْعِبَادَاتِ فَنَوَافِلُ الْعِبَادَاتِ كُلُّهَا وَسُنَنُهَا وَآدَابُهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ بَلْ شُرِعَتْ مُكَمِّلَاتٍ لِلْفَرَائِضِ زِيَادَةً عَلَيْهَا فَلَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً.

وَأَمَّا الْعُقُوبَاتُ الْكَامِلَةُ أَيْ الْمَحْضَةُ التَّامَّةُ فِي كَوْنِهَا عُقُوبَةً فَمِثْلُ الْحُدُودِ نَحْوُ حَدِّ الزِّنَا وَحَدِّ السَّرِقَةِ وَحَدِّ الشُّرْبِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِجِنَايَاتٍ كَامِلَةٍ لَا يَشُوبُهَا مَعْنَى الْإِبَاحَةِ فَاقْتَضَى كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ لَهَا عُقُوبَةٌ زَاجِرَةٌ عَنْ ارْتِكَابِهَا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ وَعَنْ الْمُبَرِّدِ أَنَّهَا إنَّمَا سُمِّيَتْ عُقُوبَةً؛ لِأَنَّهَا يَتْلُو الذَّنْبَ مِنْ عَقَبَهُ يَعْقُبُهُ إذَا تَبِعَهُ وَأَمَّا الْقَاصِرَةُ أَيْ الْعُقُوبَاتُ الْقَاصِرَةُ فَنُسَمِّيهَا أَجْزِئَةً.
فَرْقًا بَيْنَ مَا هُوَ كَامِلٌ وَقَاصِرٌ وَالْجَزَاءُ لَفْظٌ يُطْلَقُ عَلَى مَا هُوَ عُقُوبَةٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} [المائدة: 38] وَعَلَى.

الصفحة 147