كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

مِثْلَ حِرْمَانِ الْمِيرَاثِ بِالْقَتْلِ وَلِذَلِكَ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالتَّقْصِيرِ بِخِلَافِ الْخَاطِئِ الْبَالِغِ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ فَلَزِمَهُ الْجُزْءُ الْقَاصِرُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْكَامِلُ وَالصَّبِيُّ غَيْرُ مُقَصِّرٍ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْقَاصِرُ وَلَا الْكَامِلُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا هُوَ مَثُوبَةٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] فَلِقُصُورِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ سُمِّيَتْ أَجْزِئَةً إذْ مُطْلَقُ اسْمِ الْعُقُوبَةِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْكَامِلِ مِنْهَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ الْوَاحِدُ إذْ لَيْسَ فِي هَذَا النَّوْعِ إلَّا هَذَا الْمِثَالُ وَيَجُوزُ أَنْ يُلْحَقَ حِرْمَانُ الْوَصِيَّةِ بِالْقَتْلِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِيهَا قَاصِرٌ هَذَا الْقِسْمُ فَيُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى حَمْلِهِ عَلَى الْوَاحِدِ مِثْلُ حِرْمَانِ الْإِرْثِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هِيَ مِثْلُ حِرْمَانِ الْإِرْثِ وَلَوْ قِيلَ وَأَمَّا الْقَاصِرَةُ وَنُسَمِّيهَا أَجْزِئَةً فَمِثْلُ حِرْمَانِ الْإِرْثِ لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَوْفَقَ لِمَا تَقَدَّمَ وَأَكْثَرَ مُطَابَقَةً لِلْمَقْصُودِ وَمَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِي الْحِرْمَانِ مَعَ وُجُودِ عِلَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهِيَ الْقَرَابَةُ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ غُرْمٌ لَحِقَ الْقَاتِلَ بِجِنَايَتِهِ وَفِي الْغُرْمِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَلِأَنَّ مَا يَجِبُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّعَدِّي يَجِبُ لِمَنْ وَقَعَ التَّعَدِّي عَلَيْهِ لَا لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ فِي حِرْمَانِ الْإِرْثِ نَفْعٌ عَائِدٌ إلَى الْمَقْتُولِ الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ وَجَبَ جَزَاءً لِلَّهِ تَعَالَى زَاجِرًا عَنْ ارْتِكَابِ مَا حَرَّمَهُ كَالْحُدُودِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَجِبُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى ضَرُورَةً وَمَعْنَى الْقُصُورِ فِيهِ أَنَّهُ عُقُوبَةٌ مَالِيَّةٌ لَا يَتَّصِلُ بِسَبَبِهِ أَلَمٌ بِظَاهِرِ بَدَنِهِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَكَذَا لَا يَلْحَقُهُ نُقْصَانٌ فِي مَالِهِ بَلْ يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ مِلْكٍ لَهُ فِي تَرِكَةِ الْمَقْتُولِ فَكَانَ عُقُوبَةً قَاصِرَةً.
وَلِذَلِكَ أَيْ وَلِكَوْنِ الْحِرْمَانِ عُقُوبَةً لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ حَتَّى لَوْ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَا يُحْرَمُ عَنْ الْمِيرَاثِ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يُحْرَمُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَتْلِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا مِيرَاثَ لِقَاتِلٍ» وَالصَّبِيُّ مِثْلُ الْبَالِغِ فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَفْعَالِ وَمَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِيهِ غَيْرُ لَازِمٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْخَاطِئِ وَالْخَطَاءُ يَنْفِي الْعُقُوبَةَ كَالصَّبِيِّ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَمْكَنَ إيجَابُهُ عَلَى الصَّبِيِّ وَإِنْ عَقَلَ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِيهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا لُزُومَ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِيهِ فَالصِّبَا لَا يُنَافِي الْعُقُوبَةَ الْمَالِيَّةَ كَالْخَرَاجِ؛ لِأَنَّ مَالَهُ كَامِلٌ بِخِلَافِ الْعُقُوبَةِ الْبَدَنِيَّةِ؛ لِأَنَّ بَدَنَهُ نَاقِصٌ وَنَحْنُ نَقُولُ: الْحِرْمَانُ عُقُوبَةٌ ثَبَتَتْ جَزَاءً عَلَى ارْتِكَابِ الْقَتْلِ الْمَحْظُورِ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ كَمَا لَا يَثْبُتُ جَزَاءُ الشُّرْبِ وَالزِّنَا.
وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْجَزَاءِ قَاصِرًا كَانَ أَوْ كَامِلًا يَسْتَدْعِي حَظْرَ الْإِحَالَةِ وَالْحَظْرُ يَثْبُتُ بِالْخِطَابِ وَلَا خِطَابَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ فَلَا يُوصَفُ فِعْلُهُ بِالْحَظْرِ وَلَا بِالتَّقْصِيرِ أَصْلًا فَلَا يُمْكِنُ تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِهِ بِخِلَافِ الْخَاطِئِ إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ إذْ الْخَطَأُ جَائِزُ الْمُؤَاخَذَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقَعُ إلَّا عَنْ تَقْصِيرٍ مِنْهُ فَكَانَ الْخِطَابُ مُتَوَجِّهًا عَلَيْهِ فِي التَّثَبُّتِ فِيهِ وَالْغُرْمِ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ تَعْلِيمًا {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] غَيْرَ أَنَّهُ تَعَالَى رَفَعَ حُكْمَ الْخَطَاءِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ تَفَضُّلًا مِنْهُ وَلَمْ يَرْفَعْ فِي الْقَتْلِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الدَّمِ فَعَلَّقَ بِهِ الدِّيَةَ وَالْكَفَّارَةَ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ الْجَزَاءُ الْقَاصِرُ وَهُوَ الْحِرْمَانُ لِلْقَصِيرِ فِي التَّثَبُّتِ كَمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَزَاءُ الْكَامِلُ وَهُوَ الْقِصَاصُ لِعُذْرِ الْخَطَاءِ فَأَمَّا الصِّبَا فَيُنَافِي الْخِطَابَ أَصْلًا لِقُصُورِ الْآلَةِ فَلَا يُوصَفُ فِعْلُ الصَّبِيِّ بِالتَّقْصِيرِ الْكَامِلِ وَالنَّاقِصِ فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْعُقُوبَةُ الْكَامِلَةُ وَالْقَاصِرَةُ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا إذَا ارْتَدَّ الصَّبِيُّ حَيْثُ يُحْرَمُ عَنْ الْمِيرَاثِ مَعَ أَنَّهُ لَا تَعَاقُبَ عَلَى الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الْحِرْمَانَ لَيْسَ بِجَزَاءِ الرِّدَّةِ فَإِنَّ الرِّدَّةَ تَبْدِيلُ الدِّينِ وَلَوْ أَسْلَمَ يُحْرَمُ عَنْ مِيرَاثِ أَبِيهِ الْكَافِرِ وَهُوَ تَبْدِيلٌ مَأْمُورٌ بِهِ وَلَوْ كَانَ جَزَاءً لَمْ يَثْبُتْ بِالْحَلَالِ فَعُرِفَ أَنَّ الْحِرْمَانَ بِسَبَبٍ آخَرَ تَحْتَ اخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ وَهُوَ انْقِطَاعُ الْوِلَايَةِ الثَّابِتَةِ بِالْقَرَابَةِ كَانْقِطَاعِهَا بِالرِّقِّ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ.

الصفحة 148