كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَقُلْنَا: تَسْقُطُ بِاعْتِرَاضِ الْحَيْضِ وَالْمَرَضِ وَتَسْقُطُ بِالسَّفَرِ الْحَادِثِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ إذَا اعْتَرَضَ الْفِطْرُ عَلَى السَّفَرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّكْفِيرَ يَحْصُلُ بِالتَّوْبَةِ إذْ هِيَ مَاحِيَةٌ لِكُلِّ ذَنْبٍ وَلَا شَيْءَ يَقُومُ مَقَامَ الْكَفَّارَةِ فِي حَقِّ الزَّجْرِ مَعَ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الزَّجْرِ أَمَسُّ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ تَفْوِيتِ مَا لَا اسْتِدْرَاكَ لَهُ أَلْبَتَّةَ فَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَتُكَفِّرُ مَا لَوْ لَمْ تَكُنْ هِيَ لِكُفْرٍ بِالتَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ أَوْ بِعَفْوِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ بِفَضْلِهِ أَوْ بِشَفَاعَةِ الْأَخْيَارِ مِنْ عِبَادِهِ فَثَبَتَ أَنَّ جَانِبَ الزَّجْرِ وَالْعُقُوبَةِ فِيهَا رَاجِحٌ وَأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ الْمُعَظَّمُ دُونَ الْعِبَادَةِ وَالتَّكْفِيرِ فَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ فَإِنَّهَا عُقُوبَةٌ وُجُوبًا وَعِبَادَةٌ أَدَاءً مَعَ أَنَّ سَائِرَ الْكَفَّارَاتِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ أَنَّ وُجُوبَهَا بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ قَصْدًا وَإِنْ كَانَتْ عِبَادَةً مِنْ حَيْثُ الْأَدَاءُ
حَتَّى سَقَطَ يَعْنِي هَذَا الْوَاجِبُ بِالشُّبْهَةِ عَلَى مِثَالِ الْحُدُودِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ فَإِنَّ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِيهَا تَابِعٌ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِي هَذِهِ الْكَفَّارَةِ رَاجِحٌ بَلْ هِيَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ وَرُكْنُهَا الْإِعْتَاقُ وَالصِّيَامُ وَالْإِطْعَامُ كَمَا فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الصَّوْمُ مَشْرُوعٌ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ أَنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ بِجِمَاعِ الْأَهْلِ أَوْ بِطَعَامِ مَمْلُوكٍ لَهُ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَلَوْ كَانَتْ عُقُوبَةً تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ لَسَقَطَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مُبِيحٌ لِلْجِمَاعِ وَمِلْكُ الطَّعَامِ مُبِيحٌ لِلْأَكْلِ فَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ الْإِبَاحَةُ الْحَالَّةُ ثَبَتَ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ فَتُوجِبُ السُّقُوطَ كَمَا لَوْ زَنَى بِجَارِيَتِهِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ يَسْقُطُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا لِقِيَامِ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ مُبِيحٌ يُورِثُ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ وَلَمَّا لَمْ يَسْقُطْ عَرَفْنَا أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ قُلْنَا: قَدْ أَقَمْنَا الدَّلِيلَ عَلَى رُجْحَانِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِي هَذِهِ الْكَفَّارَةِ وَبَيَّنَّا أَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ كَوْنِهَا عِبَادَةً فِي نَفْسِهَا فَلَا مَعْنَى لِلْمَنْعِ وَالِاسْتِبْعَادِ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ
وَمَا ذُكِرَ أَنَّ الْإِفْطَارَ بِجِمَاعِ الْأَهْلِ وَالطَّعَامِ الْمَمْلُوكِ لَا يَصِيرُ شُبْهَةً غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هِيَ الشُّبْهَةُ الَّتِي تُورِثُ جِهَةَ إبَاحَةٍ فِيمَا هُوَ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ وَمِلْكُ الطَّعَامِ وَالْجِمَاعِ لَا يُورِثُ إبَاحَةً فِي إفْطَارِ صَوْمِ رَمَضَانَ بِوَجْهٍ كَمِنْ قَتَلَ غَيْرَهُ بِسَيْفٍ مَمْلُوكٍ لَهُ أَوْ شَرَّبَ خَمْرًا مَمْلُوكَةً لَهُ لَا يَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً تُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ وَالْحَدِّ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمِلْكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي إبَاحَةِ الْقَتْلِ وَالشُّرْبِ بِوَجْهٍ بِخِلَافِ وَطْءِ الْجَارِيَةِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّ فِي الزِّنَا مَحَلَّ الْجِنَايَةِ مَنَافِعُ الْبُضْعِ وَالْمِلْكُ ثَابِتٌ فِي الْبُضْعِ فَيَصْلُحُ شُبْهَةً مُسْقِطَةً لِلْحَدِّ قَوْلُهُ (وَقُلْنَا يُسْقِطُ) أَيْ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ بِاعْتِرَاضِ الْحَيْضِ وَالْمَرَضِ إذَا جَامَعَ الصَّائِمُ الصَّائِمَةَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَمْدًا لَزِمَتْهُمَا الْكَفَّارَةُ فَحَاضَتْ الْمَرْأَةُ وَمَرِضَ الرَّجُلُ مَرَضًا يُبِيحُ الْإِفْطَارَ فِي آخِرِ النَّهَارِ سَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ عَنْهُمَا عِنْدَنَا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيُّ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْمَرْأَةِ لَا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْكَفَّارَةِ وَهُوَ الْجِنَايَةُ الْكَامِلَةُ عَلَى الصَّوْمِ قَدْ تَمَّ فَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ دَيْنًا وَبِوُجُودِ الْعُذْرِ بَعْدَ الْفِطْرِ لَا يَخْتَلُّ مَعْنَى الْجِنَايَةِ فَيَبْقَى حُكْمُ الْجِنَايَةِ عَلَى مَا كَانَ كَمَا لَوْ أَفْطَرَ، ثُمَّ سَافَرَ وَكَمَا لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ
وَنَحْنُ نَقُولُ هَذَا إفْطَارٌ عَنْ شُبْهَةٍ فَلَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ قِيَاسًا عَلَى مَنْ جَامَعَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ، ثُمَّ تَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ وَذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ وَالْمَرَضُ فِي آخِرِ النَّهَارِ يُزِيلُ اسْتِحْقَاقَ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ لَوْ كَانَ صَائِمًا وَزَوَالُ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَصِيرُ زَائِلًا مِنْ أَوَّلِهِ وَالْحَيْضُ يُعْدِمُ الصَّوْمَ مِنْ أَوَّلِهِ وَإِنْ وُجِدَ فِي آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ فِي الْيَوْمِ وَالْكَفَّارَةُ لَا تَجِبُ إلَّا بِالْفِطْرِ فِي صَوْمٍ مُسْتَحَقٍّ وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَا يُنَافِي الصَّوْمَ أَوْ مَا يُنَافِي

الصفحة 152