كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَيَسْقُطُ بِشُبْهَةِ الْقَضَاءِ وَظَاهِرُ السُّنَّةِ فِيمَنْ أَبْصَرَ هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQصِفَةَ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْهُ فَتَمَكَّنَتْ شُبْهَةُ مُنَافَاةِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي أَوَّلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَافَرَ فِي آخِرِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُزِيلُ الِاسْتِحْقَاقَ فَإِنَّ الصَّائِمَ إذَا سَافَرَ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ فَلَا يَتَمَكَّنُ بِالسَّفَرِ فِي آخِرِ النَّهَارِ شُبْهَةً فِي أَوَّلِهِ وَلِأَنَّ السَّفَرَ فِعْلُهُ وَالْكَفَّارَةُ تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا تَسْقُطُ بِفِعْلِ الْعَبْدِ بِاخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ الْمَرَضِ وَالْحَيْضِ فَإِنَّهُمَا سَمَاوِيَّانِ لَا صُنْعَ لِلْعَبْدِ فِيهِمَا فَإِذَا كَانَا مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ بِهِمَا الْكَفَّارَةُ حَتَّى لَوْ أُكْرِهَ السُّلْطَانُ عَلَى السَّفَرِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ لَا صُنْعَ لَهُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صُنْعِ الْعِبَادِ وَلَيْسَ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَتَسْقُطُ بِالسَّفَرِ الْحَادِثِ إذَا أَصْبَحَ الْمُقِيمُ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ سَافَرَ لَا يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ أَفْطَرَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا خُرُوجٌ لَا يُبِيحُ لَهُ الْإِفْطَارَ فَلَا يَصِيرُ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ كَالْخُرُوجِ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ
وَإِنَّا نَقُولُ: السَّفَرُ مُبِيحٌ فِي نَفْسِهِ لِلْإِفْطَارِ بِالنَّصِّ إلَّا أَنَّا لَمْ نَعْمَلْ بِهِ لِدَلِيلٍ آخَرَ أَوْلَى مِنْهُ وَهُوَ الْإِقَامَةُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي وُجُوبَ الصَّوْمِ وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ ثُبُوتُهُ فَكَانَ الْعَمَلُ مِمَّا يُوجِبُهُ أَوْلَى مِنْ الْعَمَلِ بِمَا يُسْقِطُهُ احْتِيَاطًا فَبَقِيَ السَّفَرُ الْمُبِيحُ فِي نَفْسِهِ مُؤَثِّرًا فِي إيرَاثِ الشُّبْهَةِ فَيَسْقُطُ بِهِ الْكَفَّارَةُ بِخِلَافِ الْخُرُوجِ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُبِيحٍ فِي نَفْسِهِ فَلَا يُورِثُ شُبْهَةً كَمَا بَيَّنَّا قَوْلُهُ (وَتَسْقُطُ بِشُبْهَةِ الْقَضَاءِ) إلَى آخِرِهِ إذَا رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ أَوْ مُتَغَيِّمَةٌ فَشَهِدَ عِنْدَ الْإِمَامِ فَرَدَّ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ لِتَفَرُّدِهِ أَوْ لِفِسْقِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ إلَّا عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ عَمَلًا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ» وَهَذَا لَيْسَ بِيَوْمِ الصَّوْمِ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْوَاحِدِ وَتَمَسَّكَ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَأَنَّهُ قَدْ رَأَى الْهِلَالَ حَقِيقَةً فَلَزِمَهُ الصَّوْمُ، ثُمَّ وُجُوبُ الصَّوْمِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَمْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْحُكْمُ وَقَدْ كَانَ لَزِمَهُ الصَّوْمُ قَبْلَ أَنْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ فَكَذَلِكَ بَعْدَهُ فَإِنْ أَفْطَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا أَفْطَرَ بِالْجِمَاعِ فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَشَرَعَ فِي الصَّوْمِ، ثُمَّ أَفْطَرَ فَقَدْ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ لِاخْتِلَافِ الطَّرِيقِ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ
احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِ هَذَا الْيَوْمِ مِنْ رَمَضَانَ حَصَلَ قَطْعًا لِوُجُودِ دَلِيلِهِ وَهُوَ الرُّؤْيَةُ حَقِيقَةً إذْ لَا دَلِيلَ فَوْقَ الْعِيَانِ وَلِهَذَا كَانَ مُخَاطَبًا بِالْأَدَاءِ آثِمًا بِالتَّرْكِ فَتَكَامَلَ بِالْإِفْطَارِ فِيهِ مَعْنَى الْجِنَايَةِ وَلَمْ يَصِرْ جَهْلُ غَيْرِهِ بِكَوْنِهِ مِنْ رَمَضَانَ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْجَهْلِ لَا يَعْدُو مَحَلَّهُ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي يَقِينِهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ جَمَاعَةً لَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ عَلَى مَائِدَةٍ وَعَلِمَ بِهِ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْعَالِمِ وَجَهْلُ الْجَاهِلِ لَا يُورِثُ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ وَكَذَا لَوْ زُفَّتْ إلَى رَجُلٍ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ غَيْرُهُ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ وَلَمْ يَصِرْ جَهْلُ غَيْرِهِ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَدَّ أَسْرَعُ سُقُوطًا مِنْ الْكَفَّارَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهُ أَفْطَرَ عَنْ شُبْهَةٍ فَلَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ كَمَا بَيَّنَّا وَالدَّلِيلُ عَلَى تَحَقُّقِ الشُّبْهَةِ شَيْئَانِ أَشَارَ إلَيْهِمَا الشَّيْخُ فِي الْكِتَابِ: أَحَدُهُمَا الْقَضَاءُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا قَضَى بِرَدِّ شَهَادَتِهِ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ تُهْمَةُ الْكَذِبِ أَوْ الْغَلَطِ فَإِنَّ تَفَرُّدَهُ بِالرُّؤْيَةِ مَعَ اسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي النَّظَرِ وَالْمَنْظَرِ يُوجِبُ ذَلِكَ أَوْرَثَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي رُؤْيَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَضَاءٌ بِأَنَّهُ كَاذِبٌ أَوْ غَالِطٌ وَأَنَّ هَذَا

الصفحة 153