كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَوْمَ مِنْ شَعْبَانَ وَلَوْ كَانَ حُكْمُهُ هَذَا حَقًّا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لَكَانَ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ فَإِذَا كَانَ نَافِذًا ظَاهِرًا يُورِثُ شُبْهَةَ إبَاحَةٍ فَتَسْقُطُ بِهِ الْكَفَّارَةُ فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَضَاءَ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْعِبَادَاتِ وَهِيَ مِمَّا يُفْتَى فِيهِ وَلَا يُقْضَى بِهِ وَلَوْ أَفْتَاهُ مُفْتٍ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ مِنْ شَعْبَانَ لَمْ تَصِرْ فَتْوَاهُ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ عَنْهُ كَذَا هَذَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ بَلْ يَمْتَنِعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَمِنْ الْقَضَاءِ بِهَا وَالِامْتِنَاعُ مِنْ الْقَضَاءِ وَعَدَمُ الِالْتِفَاتِ إلَى الشَّهَادَةِ لَا يَكُونُ قَضَاءً
وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ قَضَاءٌ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَصِيرُ شُبْهَةً فِي حَقِّ هَذَا الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ الْقَاضِيَ مُخْطِئٌ فِي قَضَائِهِ وَأَنَّ قَضَاءَهُ بَاطِلٌ كَمَا إذَا رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ شُهُودِ الزِّنَا بَعْدَمَا رُجِمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ حَدُّ الْقَذْفِ وَقَضَاءُ الْقَاضِي بِكَوْنِ الرَّجُلِ رَائِيًا قَائِمٌ وَلَمْ يَصِرْ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِ أَنَّ قَضَاءَهُ بَاطِلٌ قُلْنَا هَذَا مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ إنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي صِدْقُ الشَّاهِدِ بِأَنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةً فَشَهِدَ وَحْدَهُ أَوْ جَاءَ مِنْ بَعْضِ الْقُرَى وَهُوَ عَدْلٌ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَتِهِ وَيَصِيرَ الْيَوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ حَتَّى يَلْزَمَهُمْ الصَّوْمُ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ بِالْإِفْطَارِ وَتَحِلُّ آجَالُ الدُّيُونِ وَيَنْزِلُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ الْمُعَلَّقَانِ بِمَجِيءِ رَمَضَانَ فَإِنْ اتَّهَمَهُ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَيَبْقَى الْيَوْمُ مِنْ شَعْبَانَ فَثَبَتَ أَنَّهُ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ.
وَقَوْلُهُ: الِامْتِنَاعُ مِنْ الْقَضَاءِ لَا يَكُونُ قَضَاءً غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْقَاضِي مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ لِتُهْمَةٍ دَخَلَتْ فِي الشَّهَادَةِ قَضَاءٌ يَرُدُّ الشَّهَادَةَ كَالْفَاسِقِ إذَا شَهِدَ فَلَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ فَأَعَادَهَا بَعْدَ التَّوْبَةِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا رُدَّتْ مَرَّةً كَانَ ذَلِكَ قَضَاءً بِبُطْلَانِهَا كَذَا هَاهُنَا وَقَوْلُهُ لَا يَصِيرُ الْقَضَاءُ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ حُجَّةٌ مِنْ حُجَجِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَائِبُ الشَّرْعِ فِيمَا يَقْضِي وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ إذَا أَخْطَأَ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ حُجَجِهِ فَيَصْلُحُ شُبْهَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْمُولًا بِهِ
وَزَعَمَهُ أَنَّهُ خَطَأٌ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ شُبْهَةً كَمَا إذَا شَهِدُوا بِالْقِصَاصِ عَلَى رَجُلٍ فَقَضَى الْقَاضِي بِهِ فَقَبِلَهُ الْوَلِيُّ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الشُّهُودَ كَذَبَةٌ، ثُمَّ جَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْوَلِيِّ عِنْدَنَا لِلشُّبْهَةِ الثَّابِتَةِ بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِدَلِيلٍ ظَاهِرٍ أَوْجَبَ الشَّرْعُ الْعَمَلَ بِهِ فَأَوْجَبَ الشُّبْهَةَ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ وَإِنْ كَانَ عِنْده أَنَّهُ مُخْطِئٌ بِيَقِينٍ فَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الرُّجُوعِ فَلَمْ يَجْعَلْ الْقَضَاءَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَمَّا رَجَعَ انْفَسَخَ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ قَدْ انْفَسَخَتْ وَالْقَضَاءُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهَا وَالْقَضَاءُ الْمَفْسُوخُ لَا يَصْلُحُ شُبْهَةً كَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً، ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ، ثُمَّ زَنَى بِهَا يُحَدُّ وَلَا يَصِيرُ الْبَيْعُ السَّابِقُ شُبْهَةً وَهَاهُنَا لَمْ يَنْفَسِخْ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ دَلِيلَهُ وَهُوَ التَّفَرُّدُ بِالرُّؤْيَةِ قَائِمٌ فَيَصْلُحُ شُبْهَةً.
أَلَا تَرَى أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الرُّجُوعِ لَوْ قَذَفَهُ رَجُلٌ آخَرُ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ الرَّاجِعَ لَا يُصَدَّقُ عَلَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ بَاقِيًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ بِبَقَاءِ الشَّهَادَةِ فَيَصِيرُ قَاذِفَ زَانٍ فَلَا يُحَدُّ فَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ لَوْ أَفْطَرَ قَبْلَ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي يَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَذَكَرَ فِي طَرِيقَةِ الصَّدْرِ الْحَجَّاجِ قُطْبِ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَ الْقَاضِي فَأَفْطَرَ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ قَالُوا: يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ.
وَالثَّانِي ظَاهِرُ السُّنَّةِ وَهِيَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ فِيهِ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ» أَيْ وَقْتُ صَوْمِكُمْ الْمَفْرُوضِ يَوْمَ تَصُومُونَ فِيهِ جَمِيعًا فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ يَوْمَ الصَّوْمِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ مَا يَصُومُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ لَكِنْ عَارَضَهُ قَوْلُهُ

الصفحة 154