كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ- عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَأَنَّهُ قَدْ رَأَى أَيْ الْهِلَالَ فَيَقْتَضِي أَنْ يَلْزَمَهُ الصَّوْمُ فَعَمِلْنَا بِمُوجَبِ هَذَا الْخَبَرِ وَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الصَّوْمَ احْتِيَاطًا وَبَقِيَ ظَاهِرُ النَّصِّ الْأَوَّلِ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يُحْتَالُ لِدَرْئِهِ
كَمَا بَقِيَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْ الْأَبِ بِوَطْئِهِ جَارِيَةَ ابْنِهِ وَسَرِقَةِ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْمُولُ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الرَّجُلُ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» وَإِنَّمَا لَمْ يَصِرْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْ الْأَبِ إذَا زَنَى بِابْنَتِهِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ حُرَّةٌ لَيْسَتْ بِمَحَلِّ الْمِلْكِ فَلَمْ يَكُنْ الْإِضَافَةُ لِلتَّمْلِيكِ لِعَدَمِ قَبُولِ الْمَحَلِّ ذَلِكَ بَلْ كَانَتْ إضَافَةَ كَرَامَةٍ وَنَسَبٍ فَلَا يُوجِبُ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ.
1 -
وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْأَبِ إذَا قَتَلَ وَلَدَهُ فَلَيْسَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَوْجَبَ حَقًّا أَوْ شُبْهَةً فِي النَّفْسِ وَلَكِنْ إنَّمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الِابْنَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِأَبِيهِ بِمَا يُوجِبُ إتْلَافَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ سَبَبَ وُجُودِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّعَرُّضُ لِإِتْلَافِهِ وَإِعْدَامِهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ الْأَبُ إنْسَانًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، ثُمَّ وَرِثَ ابْنُهُ الْقِصَاصَ سَقَطَ لِمَا قُلْنَا وَلَمْ يَصِرْ هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَلَا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِمَعْرِفَةِ التَّارِيخِ وَلَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ، لَكِنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ مِمَّا يُحْتَاطُ فِيهِ فَعِنْدَ قِيَامِ الْمُعَارَضَةِ عَمِلْنَا بِالدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لِلصَّوْمِ احْتِيَاطًا وَبِالدَّلِيلِ الْمُسْقِطِ لِلْكَفَّارَةِ احْتِيَاطًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ يُحْتَاطُ فِي دَرْئِهَا وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] فَلَمْ يَصِرْ شُبْهَةً مُسْقِطَةً لِلْقِصَاصِ عَمَّنْ قَتَلَ مُشْرِكًا ذِمِّيًّا مَعَ أَنَّ ظَاهِرَهُ يُوجِبُ إبَاحَةَ قَتْلِ الْمُشْرِكِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ قَدْ انْتَهَتْ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ وَانْتَسَخَتْ فَلَمْ تَبْقَ أَصْلًا وَهَاهُنَا بِخِلَافِهِ
وَلِأَنَّ الْمُشْرِكَ صَارَ مَجَازًا لِلْمُحَارِبِ كَأَنَّهُ قِيلَ: اُقْتُلُوا الْمُحَارِبِينَ وَاللَّفْظُ مَتَى صَارَ مَجَازًا لَمْ يَبْقَ حَقِيقَةً أَصْلًا وَلَا أَوْرَثَ شُبْهَةً فِي مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ عَنْ مَحَلِّهِ بِيَقِينِ حَيْثُ صَارَ مَجَازًا وَلَوْ بَقِيَ فِي مَحَلِّهِ لَمَا انْتَقَلَتْ مَجَازًا وَهَذَا الطَّرِيقُ يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَمَا إذَا أَفْطَرَ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَقَبْلَهُ فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ» مُتَعَرِّضٌ لِوُجُودِ الصَّوْمِ دُونَ الْوَقْتِ فَإِنَّ الصَّوْمَ اسْمٌ لِلْعِبَادَةِ الْمَعْهُودَةِ دُونَ الْوَقْتِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: وُجُودُ صَوْمِكُمْ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تَصُومُونَ فِيهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ بِنَصَبِ الْمِيمِ مِنْ يَوْمٍ عَلَى الظَّرْفِ وَالْيَوْمُ يَكُونُ ظَرْفًا لِلْفِعْلِ وَهُوَ الصَّوْمُ دُونَ الْوَقْتِ وَإِذَا كَانَ الْخَبَرُ بَيَانًا لِوُجُودِ الصَّوْمِ لَا لِلْوَقْتِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الصَّوْمُ لَا يَكُونُ مُعَارِضًا لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ فَلَا يَصْلُحُ شُبْهَةً قُلْنَا: حَمْلُهُ عَلَيْهِ يُؤَدِّي إلَى إلْغَاءِ كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَإِخْلَائِهِ عَنْ الْفَائِدَةِ إذْ لَا يَخْفَى عَلَى مَجْنُونٍ فَضْلًا عَنْ الْعَاقِلِ أَنَّ وُجُودَ الصَّوْمِ يَوْمَ يُوجَدُ فِيهِ وَهَلْ يَلِيقُ بِعَاقِلٍ أَنْ يَقُولَ ذَهَابُك عَنْ الْبَلْدَةِ يَوْمَ تَذْهَبُ وَانْتِصَابُ الْيَوْمِ لَيْسَ بِطَرِيقِ الظَّرْفِ بَلْ الزَّمَانُ فَارَقَ جَمِيعَ أَجْنَاسِ الْأَسْمَاءِ فِي صِحَّةِ إضَافَتِهِ إلَى الْأَفْعَالِ وَامْتِنَاعِ إضَافَةِ غَيْرِهِ إلَى الْأَفْعَالِ
غَيْرَ أَنَّهُ إنْ أُضِيفَ إلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي فَاخْتِيَارُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ النَّحْوِ أَنْ يُبْنَى عَلَى الْفَتْحَةِ وَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُعْرَبًا لِاتِّحَادِهِ بِمَا لَيْسَ بِمُعْرَبٍ فِي نَفْسِهِ إذْ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ نَوْعُ اتِّحَادٍ وَإِنْ أُضِيفَ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَالْمُتَكَلِّمُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْرَبَهُ لِكَوْنِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ مُعْرَبًا فِي نَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ بَنَاهُ لِاتِّحَادِهِ بِالْفِعْلِ وَالِاسْمُ يُبْنَى لِشَبَهِهِ بِالْفِعْلِ إذَا تَأَكَّدَتْ الْمُشَابَهَةُ فَلَأَنْ يُبْنَى عِنْدَ اتِّحَادِهِ بِهِ أَوْلَى هَذَا التَّخْيِيرُ ظَاهِرٌ لِلْمُتَكَلِّمِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَرَبُ تُؤْثِرُ الْإِعْرَابَ لِذِي الْإِضَافَةِ إلَى

الصفحة 155