كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ الْإِرْثُ وَلَا يَسْقُطُ بِعَفْوِ الْمَقْذُوفِ إلَّا فِي رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَيَجْرِي فِيهِ التَّدَاخُلُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ حَتَّى لَوْ قَذَفَ جَمَاعَةً فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي كَلِمَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَقُّ الْعَبْدِ فِيهِ غَالِبٌ فَيَجْرِي فِيهِ الْعَفْوُ وَالْإِرْثُ وَلَا يَجْرِي فِيهِ التَّدَاخُلُ وَرَأَيْت فِي التَّهْذِيبِ أَنَّهُ إنْ قَذَفَ شَخْصًا وَاحِدًا مِرَارًا بِزِنَا وَاحِدٍ لَا يَجِبُ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ وَإِنْ قَذَفَهُ بِزَنَيَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَفِي قَوْلٍ يَتَجَدَّدُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَلَا يَقَعُ فِيهِ التَّدَاخُلُ وَفِي قَوْلٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَا يَجِبُ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهَا حُدُودٌ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لِمُسْتَحِقٍّ وَاحِدٍ كَحُدُودِ الزِّنَا فَيَتَدَاخَلُ
وَلَوْ قَذَفَ جَمَاعَةً كُلَّ وَاحِدٍ بِكَلِمَةٍ عَلَى حِدَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدٌّ كَامِلٌ وَإِنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَنْ قَالَ: أَنْتُمْ زُنَاةٌ أَوْ زَنَيْتُمْ فَفِي الْقَدِيمِ لَا يَجِبُ لِكُلٍّ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ اعْتِبَارًا لِاتِّحَادِ اللَّفْظِ وَفِي الْجَدِيدِ وَهُوَ الْأَصَحُّ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدٌّ كَامِلٌ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَعَرَّةً فَصَارَ كَمَا لَوْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَاتٍ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِإِثْبَاتِ هَذَا الْأَصْلِ بِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ التَّنَاوُلُ مِنْ عِرْضِهِ وَعِرْضُهُ حَقُّهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ أَبِي ضَمْضَمٍ إذَا أَصْبَحَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي تَصَدَّقْت بِعِرْضِي عَلَى عِبَادِك» وَالْمَدْحُ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ عَلَى التَّصَدُّقِ بِمَا هُوَ حَقُّهُ وَكَذَا الْمَقْصُودُ دَفْعُ عَارِ الزِّنَا عَنْ الْمَقْذُوفِ وَذَلِكَ حَقُّهُ وَإِذَا كَانَ سَبَبُهُ الْجِنَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ وَمَنْفَعَتُهُ تَعُودُ إلَيْهِ عَلِمَ أَنَّهُ حَقُّهُ كَالْقِصَاصِ وَكَذَا الْحُكْمُ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّ خُصُومَةَ الْعَبْدِ شَرْطٌ فِي نَفْسِ الْحَدِّ فَإِنَّهُ يَدَّعِي أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ حَدَّ الْقَذْفِ كَمَا يَدَّعِي أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ قِصَاصًا وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ السَّرِقَةُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُنَاكَ الْخُصُومَةُ فِي الْمَالِ دُونَ الْحَدِّ حَتَّى لَوْ خَاصَمَ فِي الْحَدِّ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَكَذَا لَا يَعْمَلُ الرُّجُوعُ فِيهِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَلَا يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ وَيُقَامُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ الْمُسْتَأْمَنُ بِمَا هُوَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ إلَّا أَنَّ الْمَقْذُوفَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ بِنَفْسِهِ كَمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ يَخْتَلِفُ شِدَّةً وَخِفَّةً وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارُ الْخِفَّةِ لِفَرْطِ غَضَبِهِ فَفُوِّضَ إلَى الْإِمَامِ دَفْعًا لِلْمَوْهُومِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ بِحَدِّهِ وَهُوَ جُزْءُ الرَّقَبَةِ وَلَا يَجْرِي فِيهِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فَفُوِّضَ إلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْتَدِلُّ عَلَى مَا قُلْنَا بِالسَّبَبِ وَبِالْحُكْمِ
أَمَّا السَّبَبُ فَإِنَّ هَذَا الْحَدَّ يَجِبُ بِالْقَذْفِ بِالزِّنَا فَإِنَّهُ لَمَّا قَذَفَ مُحْصَنًا فَقَدْ أَلْحَقَ بِهِ تُهْمَةَ الزِّنَا فَأَوْجَبَ الْحَدَّ عَلَى الْقَاذِف لِيَكُونَ بِوُجُوبِهِ زَاجِرًا عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَلِيَزُولَ بِاسْتِيفَائِهِ عَنْ الْمَقْذُوفِ تِلْكَ التُّهْمَةُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَقْذُوفُ مَجْنُونًا لَمْ يَلْحَقْهُ التُّهْمَةُ لَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ وَلَمَا وَجَبَ لِتَعْفِيَةِ أَثَرِ الزِّنَاءِ وَحُرْمَةُ الزِّنَا خَالِصَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى حَتَّى كَانَ الْحَدُّ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ خَالِصًا لَهُ وَجَبَ أَنْ يَخْلُصَ الْحَدُّ عَلَى إظْهَارِهِ بِوَجْهٍ حَرَامٍ يَجِبُ الْكَفُّ عَنْهُ لِلَّهِ تَعَالَى أَيْضًا وَلَكِنْ هَتَكَ بِهَذِهِ التُّهْمَةِ حُرْمَةَ عِرْضِ الْمَقْذُوفِ وَلِلَّهِ تَعَالَى فِي عِرْضِ الْمَقْذُوفِ حَقٌّ وَلِلْمَقْذُوفِ حَقٌّ فَثَبَتَ لِلْعَبْدِ ضَرْبُ حَقٍّ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ.
فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَوَجَبَ فِيهِ الْحَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَوْجَبَ الْحَقَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِلْعَبْدِ فَقُلْنَا مُعْظَمُ الْحَقِّ فِيهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ سَبَبُهُ لَيْسَ إلَّا لِقَتْلِ الَّذِي هُوَ جِنَايَةٌ عَلَى النَّفْسِ وَفِيهَا لِلَّهِ تَعَالَى حَقٌّ وَهُوَ حَقُّ الِاسْتِعْبَادِ وَلِلْعَبْدِ حَقٌّ وَحَقُّ الْعَبْدِ أَرْجَحُ بِجَعْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ ذَلِكَ فَصَارَ مُعْظَمُ الْحَقِّ فِيهِ لَهُ وَأَمَّا الْحُكْمُ فَهُوَ أَنَّ حُرْمَةَ الْقَذْفِ لَا تَسْقُطُ بِجِنَايَاتِ الْعَبْدِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْكَبَائِرِ كَمَا لَا يَسْقُطُ حُرْمَةُ الزِّنَا بِالْمَرْأَةِ الَّتِي ثَبَتَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بِكُفْرِهَا وَجِنَايَتِهَا وَلَوْ كَانَ مُعْظَمُ الْحَقِّ لِلْعَبْدِ لَسَقَطَ بِكُفْرِهِ الَّذِي يَسْقُطُ بِهِ حُرْمَةُ دَمِهِ وَحَيَاتِهِ وَكَذَا تَنْصِيفُهُ بِالرِّقِّ مِنْ أَظْهَرِ الدَّلَائِلِ

الصفحة 159