كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ لِلْعِبَادِ لَا يَنْتَصِفُ بِالرِّقِّ كَإِتْلَافِ الْمَالِ وَإِنَّمَا يَنْتَصِفُ مَا يَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي تَقْبَلُ التَّنْصِيفَ
وَهَذَا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْجَرِيمَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى تَزْدَادُ بِزِيَادَةِ النِّعْمَةِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ النِّعْمَةِ تُوجِبُ زِيَادَةَ الشُّكْرِ فَتَزْدَادُ حُرْمَةُ تَرْكِ الشُّكْرِ بِالْمَعْصِيَةِ بِحَسَبِ زِيَادَةِ وُجُوبِ الشُّكْرِ وَإِذَا ازْدَادَتْ الْعُقُوبَةُ وَالنِّعْمَةُ فِي حَقِّ الْحُرِّ كَامِلَةٌ وَفِي حَقِّ الْعَبْدِ نَاقِصَةٌ فَيَتَكَامَلُ الْعُقُوبَةُ وَتَنْتَقِصُ بِحَسَبِهَا فَأَمَّا مَا يَجِبُ لِلْعَبْدِ فَيَجِبُ جَبْرًا لِمَا فُوِّتَ عَلَيْهِ وَالتَّفْوِيتُ لَا يَخْتَلِفُ بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ فَلَا تُنْتَقَصُ الْوَاجِبُ بِكَوْنِهِ عَبْدًا يُوَضِّحُهُ أَنَّ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ يُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ الَّتِي تُشِيرُ إلَى مَعْنَى الْجَبْرِ كَمَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ وَلِهَذَا مَا وَجَبَ مِنْ الْعُقُوبَاتِ حَقًّا لِلْعَبْدِ وَجَبَ بِاسْمِ الْقِصَاصِ الَّذِي يُنْبِئُ عَنْ الْمُمَاثَلَةِ لِيَكُونَ إشَارَةً إلَى الْمَعْنَى الْجَبْرِ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ النِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا وَبَيْنَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى كَمَا لَا مُشَابَهَةَ بَيْنَ الْحَدِّ وَالزِّنَا فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَسَائِرِ الْحُدُودِ؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَجِبُ مَثَلًا مَعْقُولًا لِمَعْصِيَةٍ كَعَذَابِ الْآخِرَةِ مَعَ الْكُفْرِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ اسْتِيفَاءَهُ إلَى الْإِمَامِ وَهُوَ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ ثَانِيًا فِي اسْتِيفَاءِ حَقّ اللَّهِ تَعَالَى فَأَمَّا مَا كَانَ حَقًّا لِلْعَبْدِ فَاسْتِيفَاؤُهُ إلَيْهِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِتَوَهُّمِ التَّفَاوُتِ فَإِنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُعَزِّرَ زَوْجَتَهُ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ حَقًّا لَهُ وَلَا يُنْظَرُ إلَى تَوَهُّمِ التَّفَاوُتِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ كَمَا تُتَوَهَّمُ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ تُتَوَهَّمُ مِنْ الْجَلَّادِ وَيُمْكِنُ مَنْعُ صَاحِبِ الْحَقِّ تُتَوَهَّمُ مِنْ الْجَلَّادِ
وَيُمْكِنُ مَنْعُ صَاحِبِ الْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ إذَا ظَهَرَ أَثَرُهُ كَمَا يُمْنَعُ الْجَلَّادُ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ يَتَوَهَّمُ الزِّيَادَةَ لَا يَمْتَنِعُ صَاحِبُ الْحَقِّ عَنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ كَتَوَهُّمِ السِّرَايَةِ فِي حَقِّ الْقِصَاصِ وَتَمَسُّكُ الْخَصْمِ بِحَدِيثِ أَبِي ضَمْضَمٍ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ التَّصَدُّقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الصِّدْقَ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنِّي لَا أُطَالِبُهُمْ بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْعَبْدِ فِيهِ حَقًّا وَنَحْنُ سَلَّمْنَا ذَلِكَ وَادَّعَيْنَا أَنَّ مُعْظَمَ الْحَقِّ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَثْبَتْنَاهُ بِدَلِيلِهِ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ لِلْعَبْدِ فِيهِ حَقٌّ مُعْتَبَرٌ وَأَنَّ الْمُعَظِّمَ لِلَّهِ تَعَالَى شَرْطُ الدَّعْوَى فِي نَفْسِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ دَعْوَاهُ وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَخْتَلُّ بِاشْتِرَاطِهَا فَإِنَّ الدَّعْوَى لَا تُنَافِي الْحَدَّ كَمَا فِي السَّرِقَةِ وَبَعْدَ مَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ لَا يَعْمَلُ فِيهِ الرُّجُوعُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ مُصَدِّقٌ لَهُ فِي الْإِقْرَارِ مُكَذِّبٌ لَهُ فِي الرُّجُوعِ بِالدَّعْوَى السَّابِقَة بِخِلَافِ مَا كَانَ مَحْضَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ هُنَاكَ لَيْسَ لَهُ مُكَذِّبٌ ظَاهِرٌ أَفَثَبَتَ فِيهِ شُبْهَةُ الصِّدْقِ وَالْحَدُّ يَبْطُلُ بِالشُّبْهَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ لَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِنْكَارُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تَرُدُّ إنْكَارَهُ وَكَذَلِكَ لَا يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْقِطٍ لِلْحَدِّ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِزِنًا مُتَقَادِمٍ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَكِنَّ التَّقَادُمَ إنَّمَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ السِّتْرِ وَالْإِظْهَارِ فَمَتَى سَكَتَ فَقَدْ اخْتَارَ مَعْنَى السِّتْرِ فَلَمْ يَجُزْ الْإِظْهَارُ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَتَى أَظْهَرَ دَلَّ أَنَّ ضَغِينَتَهُ حَمَلَتْهُ عَلَى ذَلِكَ وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ لَمَّا شُرِطَتْ الدَّعْوَى لَا يَتَمَكَّنُ الشَّاهِدُ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ حِسْبَةً قَبْلَ طَلَبِ الْمُدَّعِي فَلَا يَصِيرُ مُتَّهَمًا بِالضَّغِينَةِ
وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ بِالسَّرِقَةِ الْمُتَقَادِمَةِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ مَعَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِدُونِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ عَدَمَ قَبُولِهَا لِبُطْلَانِ الدَّعْوَى فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَحْتَسِبَ بِدَعْوَاهُ إقَامَةَ الْحَدِّ لِيُقَامَ الْحَدُّ وَبَيْنَ أَنْ يَخْتَارَ السَّتْرَ فَيَدَّعِي الْأَخْذَ فَإِنْ اخْتَارَ الْحِسْبَةَ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ فَإِذَا أَخَّرَ كَأَنْ بَنَاهُ عَلَى تَرْكِ جِهَةِ الْحِسْبَةِ فَإِذَا عَادَ يَدَّعِي السَّرِقَةَ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ السَّرِقَةَ بَعْدَمَا لَزِمَتْهُ التُّهْمَةُ فَبَطَلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى السَّرِقَةِ وَبَقِيَتْ دَعْوَى الْمَالِ وَالشَّهَادَةِ بِهِ فَوَجَبَ الْقَضَاءُ بِالْمَالِ.

الصفحة 160