كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

161 - < 159 161 > وَاَلَّذِي يَغْلِبُ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ الْقِصَاصُ.

فَأَمَّا حَدُّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ فَخَالِصٌ لِلَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا وَهَذَا مِمَّا يَطُولُ بِهِ الْكِتَابُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَعِنْدَنَا لَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافَةٌ وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافَةُ وَلَا يَسْقُطُ بِالْعَفْوِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ مَا يَتَمَحَّضُ حَقًّا لَهُ أَوْ مَا غَلَبَ فِيهِ حَقُّهُ فَأَمَّا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ فِيهِ حَقٌّ كَالْعِدَّةِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الزَّوْجِ لِمَا فِيهَا مِنْ حَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَالْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِمَا.

قَوْلُهُ (وَاَلَّذِي يَغْلِبُ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ الْقِصَاصُ) الْقِصَاصُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْحَقَّيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَتْلَ جِنَايَةٌ عَلَى النَّفْسِ وَلِلَّهِ تَعَالَى فِيهَا حَقُّ الِاسْتِعْبَادِ كَمَا أَنَّ لِلْعَبْدِ حَقَّ الِاسْتِمْتَاعِ بِبَقَائِهَا فَكَانَتْ الْعُقُوبَةُ الْوَاجِبَةُ بِسَبَبِهِ مُشْتَمِلَةً عَلَى الْحَقَّيْنِ وَإِنْ كَانَ حَقُّ الْعَبْدِ رَاجِحًا بِلَا خِلَافٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ وَأَنَّهُ يَجِبُ جَزَاءُ الْفِعْلِ فِي الْأَصْلِ لَا ضَمَانِ الْمَحَلِّ حَتَّى يَقْتُلَ الْجَمَاعَةَ بِالْوَاحِدِ وَلَوْ كَانَ ضَمَانُ الْمَحَلِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالدِّيَةِ لَا يُقْتَلُونَ بِهِ وَأَجْزِئَةُ الْأَفْعَالِ تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ وُجُوبُهُ بِطَرِيقِ الْمُمَاثَلَةِ الَّتِي تُنْبِئُ عَنْ مَعْنَى الْجَبْرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَفِيهِ مَعْنَى الْمُقَابِلَةِ بِالْمَحَلِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عُلِمَ أَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ رَاجِحٌ وَكَذَا تَفْوِيضُ اسْتِيفَائِهِ إلَى الْوَلِيِّ وَجَرَيَانُ الْإِرْثِ فِيهِ وَصِحَّةُ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ بِالْمَالِ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ دَلِيلٌ عَلَى رُجْحَانِ حَقِّهِ أَيْضًا.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا حَدُّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ فَخَالِصٌ) أَيْ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا قَطْعًا كَانَ أَوْ قَتْلًا كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَالرَّجْمِ فِي الزِّنَا وَلِهَذَا لَا يُوجِبُهُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ إذَا ارْتَكَبَ سَبَبَهُ فِي دَارِنَا بِمَنْزِلَةِ حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَتْلُ الْوَاجِبُ فِيهِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْحَقَّيْنِ وَفِيهِ مَعْنَى الْحُدُودِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالْعَفْوِ وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ دُونَ الْوَلِيِّ
وَفِيهِ مَعْنَى الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِالْقَتْلِ وَالْقَتْلُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْقَتْلِ يَكُونُ قِصَاصًا وَمَعْنَى الْقِصَاصِ غَالِبٌ عِنْدَهُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقَتِيلَ مَعْصُومٌ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ فِي غَيْرِ حَالِ الْمُحَارَبَةِ فَفِي حَالِ الْمُحَارَبَةِ أَوْلَى، ثُمَّ الْقِصَاصُ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا عُرِفَ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَوْ قَتَلَ حُرٌّ عَبْدًا أَوْ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا أَوْ قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ لَا يَجِبُ الْقَتْلُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ وَلَوْ قَتَلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً قُتِلَ بِالْأَوَّلِ وَلِلْبَاقِينَ الدِّيَةُ وَإِنْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ الْإِمَامِ يَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ لِوَرَثَتِهِ وَإِنْ مَاتَ تُؤْخَذُ الدِّيَةُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَإِنْ قَتَلَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ بِمُثْقَلٍ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ يُقْتَلُ بِذَلِكَ الطَّرِيقِ كَذَا ذُكِرَ فِي التَّهْذِيبِ وَنَحْنُ نَقُولُ: الْقَتْلُ وَالْقَطْعُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ حَدٌّ وَاحِدٌ، ثُمَّ الْقَطْعُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُصُوصِ فَكَذَلِكَ الْقَتْلُ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ جَزَاءً وَالْجَزَاءُ الْمُطْلَقُ مَا يَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بِمُقَابَلَةِ الْفِعْلِ فَأَمَّا الْقِصَاصُ فَوَاجِبٌ بِطَرِيقِ الْمُسَاوَاةِ وَفِيهِ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ بِالْمَحَلِّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ سَبَبَ هَذَا الْقَتْلِ مُحَارَبَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِقَوْلِهِ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] وَمَا يَجِبُ بِمِثْلِ هَذَا السَّبَبِ يَكُونُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ وَسَمَّاهُ خِزْيًا فِي قَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا} [المائدة: 33] فَعَرَفْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّهُ قَتْلٌ يُسْتَحَقُّ بِالْقَتْلِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ عِنْدَنَا بَلْ السَّبَبُ هُوَ الْمُحَارَبَةُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ النَّصُّ أَلَا أَنَّهَا مُتَنَوِّعَةٌ فَالْقَطْعُ جَزَاءُ الْمُحَارَبَةِ الْمُتَأَكَّدَةِ بِأَخْذِ الْمَالِ وَالْقَتْلُ جَزَاءُ الْمُحَارَبَةِ الْكَامِلَةِ بِالْقَتْلِ لِأَجْزَاءِ الْقَتْلِ وَلِهَذَا جَعَلْنَا رِدْأَهُ كَالْمُبَاشِرِ حَتَّى لَوْ وُلِّيَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الْقَتْلَ قُتِلُوا جَمِيعًا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ إذَا دَخَلَ قَطْعَ الطَّرِيقِ قَتْلٌ صَارَ كَامِلًا وَصَارَ نِصْفُ.

الصفحة 161