كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ وَالْمَجْنُونِ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مَعَ أَدَاءِ الصَّغِيرِ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ صَارَ تَبَعِيَّةُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَالْغَانِمِينَ خَلَفًا عَنْ تَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ فِي إثْبَاتِ الْإِسْلَامِ فِي صَغِيرٍ أُدْخِلَ دَارَنَا وَوَقَعَ فِي سَهْمِ الْمُسْلِمِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ وَكَذَلِكَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ أَصْلٌ وَالتَّيَمُّمُ خَلَفٌ عَنْهُ لَكِنَّ هَذَا الْخَلَفَ عِنْدَنَا مُطْلَقٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ خَلَفُ ضَرُورَةٍ حَتَّى لَمْ يُجَوِّزْ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ وَقَالَ فِي إنَاءَيْنِ نَجَسٍ وَطَاهِرٍ فِي السَّفَرِ: إنَّ التَّحَرِّيَ فِيهِ جَائِزٌ وَلَمْ يَجْعَلْ التُّرَابَ طَهُورًا لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَقُلْنَا نَحْنُ: هُوَ خَلَفٌ مُطْلَقٌ حَتَّى جَوَّزْنَا جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ بِهِ وَقُلْنَا فِي الْإِنَاءَيْنِ لَا يَتَحَرَّى؛ لِأَنَّ التُّرَابَ طَهُورٌ مُطْلَقٌ عِنْدَ الْعَجْزِ وَقَدْ ثَبَتَ الْعَجْزُ بِالتَّعَارُضِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَأَدْخَلَهُ دَارَ الْإِسْلَامِ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَبَعِيَّةُ الْآخِذِ حَتَّى وَجَبَ تَخْلِيصُهُ مِنْ يَدِهِ وَلَوْ مَاتَ يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ
(وَكَذَلِكَ) أَيْ وَكَمَا أَنَّ فِي الْإِيمَانِ التَّصْدِيقَ وَالْإِقْرَارَ أَصْلٌ وَالْإِقْرَارُ الْمُجَرَّدُ وَتَبَعِيَّةُ الْأَبَوَيْنِ وَالدَّارِ وَالسَّابِي خَلَفٌ عَنْهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ وَهِيَ أَيْ الِاغْتِسَالُ أَصْلٌ وَالتَّيَمُّمُ خَلَفٌ عَنْهَا بِلَا خِلَافٍ، لَكِنَّ هَذَا الْخَلَفَ عِنْدَنَا مُطْلَقٌ يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْحَدَثَ يَرْتَفِعُ بِالتَّيَمُّمِ إلَى غَايَةِ وُجُودِ الْمَاءِ فَيَثْبُتُ إبَاحَةُ الصَّلَاةِ بِنَاءً عَلَى ارْتِفَاعِ الْحَدَثِ وَحُصُولِ الطَّهَارَةِ كَمَا فِي الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ خَلَفٌ ضَرُورَةً أَيْ يَثْبُتُ خَلْفِيَّتُهُ ضَرُورَةَ الْحَاجَةِ إلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ الذِّمَّةِ فَيَكُونُ التَّيَمُّمُ خَلَفًا عَنْ الْوُضُوءِ لِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ مَعَ قِيَامِ الْحَدَثِ حَقِيقَةً كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ حَتَّى لَمْ يُجَوَّزْ أَدَاءَ الْفَرَائِضِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ ضَرُورِيًّا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الضَّرُورَةِ لِصِحَّتِهِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَدَاءِ قَدْ انْتَهَتْ الضَّرُورَةُ فَلَمْ يَبْقَ الْخَلَفُ صَحِيحًا فَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ فَرْضٍ آخَرَ بِهِ كَمَا قَالَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إنَّ الضَّرُورَةَ لَمَّا انْتَهَتْ بِالْفَرَاغِ مِنْ الْأَدَاءِ لَا يَجُوزُ أَدَاءُ فَرْضٍ آخَرَ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ لِانْقِضَائِهَا بِانْقِضَاءِ الضَّرُورَةِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ التَّيَمُّمُ لِأَدَاءِ فَرْضٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ كَمَا قَالَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ
وَقَالَ فِي إنَاءَيْنِ نَجَسٍ وَطَاهِرٍ فِي سَفَرٍ يَعْنِي فِي مَوْضِعٍ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى مَاءٍ آخَرَ سِوَاهُمَا: إنَّ التَّحَرِّيَ فِيهِ أَيْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ جَائِزٌ وَلَمْ يُجْعَلْ التُّرَابَ طَهُورًا أَيْ لَمْ يُجْعَلْ التَّيَمُّمُ طَهَارَةً فِي هَذَا الْمَوْضِعُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَحَقَّقُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ الطَّاهِرِ وَمَعَهُ مَاءٌ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ وَيُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَيْهِ بِالتَّحَرِّي؛ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ مُعْتَبَرٌ فِي الشَّرْعِ حَالَةَ الْعَجْزِ كَمَا فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمَصِيرُ إلَى التَّيَمُّمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ الطَّاهِرِ وَلِهَذَا شُرِطَ الطَّلَبُ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ لَا تَتَحَقَّقُ قَبْلَ الطَّلَبِ وَاحْتُجَّ لِإِثْبَاتِ هَذَا الْأَصْلِ بِأَنَّ الْمَسْحَ بِالتُّرَابِ تَلْوِيثٌ وَلَيْسَ بِتَطْهِيرٍ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا رَأَى الْمَاءَ يَعُودُ الْحَدَثُ السَّابِقُ مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَرْتَفِعْ إذْ لَوْ ارْتَفَعَ لَمْ يَعُدْ إلَّا بِحَدَثٍ جَدِيدٍ كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ تَنْتَقِضُ بِالْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ بِذَهَابِ الْوَقْتِ عِنْدَكُمْ وَهُوَ لَيْسَ بِحَدَثٍ فَعُلِمَ أَنَّ الْحَدَثَ الْأَوَّلَ بَاقٍ وَلَكِنْ أُبِيحَتْ لَهَا الصَّلَاةُ مَعَ الْحَدَثِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ الْجِنَايَةِ عَلَى الصَّوْمِ بِالْإِفْطَارِ يُبَاحُ الْإِقْدَامُ عَلَى أَجْزَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَالْإِفْطَارُ لِدَفْعِ الضَّرُورَةِ مَعَ قِيَامِ حُرْمَةِ الْكُفْرِ وَالْفِطْرِ وَقُلْنَا نَحْنُ هَذَا أَيْ هَذَا الْخَلَفُ مُطْلَقٌ فِي حَالِ الْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فَيَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَثْبُتُ بِالْأَصْلِ مَا بَقِيَ الْعَجْزُ فَيَجُوزُ جَمْعُ الصَّلَاةِ بِهِ وَيَجُوزُ الْإِيتَانُ بِهِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ كَالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ وَلَا يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي الْإِنَاءَيْنِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ طَهُورٌ مُطْلَقٌ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ بِالتَّعَارُضِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّعَارُضِ التَّسَاقُطُ فَصَارَ كَأَنَّ الْإِنَاءَيْنِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا خَلَفٌ مُطْلَقٌ رَافِعٌ لِلْحَدَثِ سَوَاءٌ جُعِلَتْ الْخَلَفِيَّةُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ أَوْ بَيْنَ التَّوَضُّؤِ وَالتَّيَمُّمِ أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ إفَادَةُ الطَّهَارَةِ وَإِزَالَةُ الْحَدَثِ فَكَذَا مَا شُرِعَ خَلَفًا عَنْهُ يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْأَصْلِ كَالصَّوْمِ فِي الْكَفَّارَاتِ لَهُ حُكْمُ الْإِعْتَاقِ وَكَالْأَشْهُرِ فِي الْعِدَّةِ لَهَا حُكْمُ الْقُرْءِ وَكَالصَّوْمِ فِي بَابِ الْمُتْعَةِ لَهُ حُكْمُ الْهَدْيِ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا جُعِلَتْ الْخَلَفِيَّةُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَإِنْ جُعِلَتْ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ حُكْمِ الْوُضُوءِ إبَاحَةَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ بِوَاسِطَةِ رَفْعِ

الصفحة 163