كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَهَذَا إنَّمَا يُسْتَقْصَى فِي مَبْسُوطِ أَصْحَابِنَا وَإِنَّمَا غَرَضُنَا الْإِشَارَةُ إلَى الْأَصْلِ وَذَلِكَ أَنَّ الْخِلَافَةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالنَّصِّ أَوْ دَلَالَةِ النَّصِّ وَشَرْطُهُ عَدَمُ الْأَصْلِ لِلْحَالِ عَلَى احْتِمَالِ الْوُجُودِ لِيَصِيرَ السَّبَبُ مُنْعَقِدًا لِلْأَصْلِ فَيَصِحُّ الْخَلَفُ فَإِذَا لَمْ يَحْتَمِلْ أَصْلَ الْوُجُودِ فَلَا مِثْلُ الْبِرِّ فِي الْغَمُوسِ لَمَّا لَمْ يَحْتَمِلْ الْوُجُودَ لَمْ يُثْبِتْ الْكَفَّارَةَ خَلَفًا عَنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQجِنَازَةٌ فَخَشِيَتْ فَوْتَهَا فَصَلِّ عَلَيْهَا بِالتَّيَمُّمِ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي صَلَاةِ الْعِيدِ مِثْلُهُ حَتَّى إنَّ مَنْ تَيَمَّمَ لِجِنَازَةٍ فَجِيءَ بِأُخْرَى يَعْنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْرِكَ وَقْتًا بَيْنَ الْجِنَازَتَيْنِ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْوُضُوءِ لَمْ يُعِدْ التَّيَمُّمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِبَقَاءِ الضَّرُورَةِ وَأَعَادَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْخِلَافَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْخِلَافَةَ هَاهُنَا وَإِنْ كَانَتْ ضَرُورِيَّةً، لَكِنَّهَا بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَتَيَمُّمُهُ الْأَوَّلُ كَانَ لِحَاجَتِهِ إلَى إحْرَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ الْأُولَى وَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ بِالْفَرَاغِ مِنْهَا فَانْتَهَى حُكْمُ ذَلِكَ التَّيَمُّمِ، ثُمَّ حَدَثَتْ بِهِ حَاجَةٌ جَدِيدَةٌ إلَى إحْرَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ الثَّانِيَةِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ لَهَا وَأَنْ يَجِدَ بَيْنَ الْجِنَازَتَيْنِ مِنْ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَيَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِهَا وَقَاسَ بِمَا لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الْوُضُوءِ بَيْنَ الْجِنَازَتَيْنِ.
وَعِنْدَهُمَا هَذِهِ الْخِلَافَةُ وَإِنْ ثَبَتَتْ ضَرُورَةً إلَّا أَنَّهَا بَيْنَ التُّرَابِ وَالْمَاءِ كَمَا إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْجَنَائِزِ مَا لَمْ يُدْرِكْ مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارَ مَا يُمَكِّنُهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ لَا تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ عَلَى جِنَازَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي صَارَ التُّرَابُ طَهُورًا لِأَجْلِهِ وَهُوَ ضَرُورَةُ خَوْفِ الْفَوْتِ قَائِمٌ بَعْدَ فَيَبْقَى تَيَمُّمُهُ بِبَقَاءِ الْمَعْنَى بِخِلَافِ مَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الطَّهَارَةِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ قَدْ انْتَهَتْ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ فَوْتٍ يُوَضِّحُهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ بَعْدَمَا صَحَّ لَا يُنْتَقَضُ أَلَا بِالْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَأَنَّهُ لَمْ يَقْدِر عَلَيْهِ بِالْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ الْأُولَى إذَا كَانَ يَخَافُ فَوْتَ الثَّانِيَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَتَمَكَّنُ مِنْ الطَّهَارَةِ بَيْنَهُمَا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مِنْ اسْتِعْمَالِهِ كَانَ فَرْضُ اسْتِعْمَالِهِ سَاقِطًا عَنْهُ فَيَكُونُ وُجُودُ الْمَاءِ وَعَدَمُهُ فِي حَقِّهِ سَوَاءً كَذَا فِي نَوَادِرِ الْمَبْسُوطِ قَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ بَيَانٌ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَتَحْقِيقُ هَذِهِ الْفُرُوعِ إنَّمَا يُسْتَقْصَى أَيْ يُبْلَغَ أَقْصَاهُ فِي مَبْسُوطِ أَصْحَابِنَا أَوْ بَيَانُ الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحُقُوقِ الْمَذْكُورَة فَإِنَّ لِكُلٍّ مِنْهَا خَلَفًا إنَّمَا يُعْرَفُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ وَالتَّحْقِيقِ فِي مَبْسُوطِ أَصْحَابِنَا فَإِنَّ الْفِدْيَةَ خَلَفٌ عَنْ الصَّوْمِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَكَذَا عَنْ الصَّلَاةِ وَالْقَضَاءُ خَلَفٌ عَنْ الْأَدَاءِ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ الَّتِي شُرِعَ فِيهَا الْقَضَاءُ وَإِحْجَاجُ الْغَيْرِ خَلَفٌ عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَالْكَفَّارَةُ فِي الْيَمِين خَلَفٌ عَنْ الْبِرِّ وَكَذَا فِي أَدَاءِ الْقَيِّمِ فِي الزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْعُشْرِ وَسَائِرِ الصَّدَقَاتِ الْوَاجِبَةِ مَعْنَى الْخَلَفِيَّةِ وَكَذَا قَيِّمُ الْمُتْلَفَاتِ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَهَذَا مِمَّا يَكْثُرُ تَعْدَادُهُ وَيَطُولُ بِهِ الْكِتَابُ وَإِنَّمَا عَرَضْنَا الْإِشَارَةَ إلَى الْأَصْلِ وَذَلِكَ الْأَصْلُ أَنَّ الْخِلَافَةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالنَّصِّ أَوْ دَلَالَةِ النَّصِّ لَمْ يُرِدْ الشَّيْخُ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِمَا بَلْ يَثْبُتُ بِإِشَارَةِ النَّصِّ وَبِاقْتِضَائِهِ أَيْضًا وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ انْتِفَاءَ ثُبُوتِ الْخِلَافَةِ بِالرَّأْيِ يَعْنِي أَنَّ الْخَلَفَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْأَصْلُ وَالْأَصْلُ لَا يَثْبُتُ بِالرَّأْيِ فَكَذَلِكَ خَلَفُهُ.
وَشَرْطُهُ أَيْ شَرْطُ ثُبُوتِ الْخَلَفِ عَدَمُ الْأَصْلِ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ لَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى الْخَلَفِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَدَمًا مُحْتَمِلًا لِلْوُجُودِ لِيَصِيرَ السَّبَبُ الْمُثْبِتُ لِلْأَصْلِ، ثُمَّ بِالْعَجْزِ عَنْهُ يَتَحَوَّلُ الْحُكْمُ إلَى الْخَلَفِ كَمَا بَيَّنَّا فِي التَّيَمُّمِ أَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْوُضُوءِ وَهُوَ إرَادَةُ الصَّلَاةِ قَدْ انْعَقَدَ مُوجِبًا لَهُ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِ الْمَاءِ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ بِالْعَجْزِ انْتَقَلَ الْحُكْمُ إلَى التَّيَمُّمِ فَإِذَا لَمْ يَحْتَمِلْ الْأَصْلُ الْوُجُودَ فَلَا أَيْ فَلَا يَثْبُتُ الْخَلَفُ كَالْخَارِجِ مِنْ الْبَدَنِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلْوُضُوءِ كَالدَّمْعِ وَالْعَرَقِ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْخَلَفِ وَهُوَ التَّيَمُّمُ وَكَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلْأَصْلِ وَهُوَ الِاعْتِدَادُ بِالْأَقْرَاءِ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِمَا هُوَ خَلَفٌ عَنْهُ وَهُوَ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ وَمِثْلُ الْبِرِّ فِي الْغَمُوسِ.

الصفحة 166