كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَمَنْ دَفَعَ إلَى صَبِيٍّ سِكِّينًا أَوْ سِلَاحًا آخَرَ لِيُمْسِكَهُ لِلدَّافِعِ فَوَجَأَ بِهِ نَفْسَهُ لَمْ يَضْمَنْ الدَّافِعُ لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ مَحْضٌ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ عِلَّةٌ لَا تُضَافُ إلَيْهِ بِوَجْهٍ وَإِذَا سَقَطَ عَنْ يَدِ الصَّبِيِّ عَلَيْهِ فَجَرَحَهُ كَانَ ذَلِكَ الدَّافِعُ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَطَبُ هَا هُنَا لِأَنَّ السُّقُوطَ أُضِيفَ إلَى الْإِمْسَاكِ فَصَارَ سَبَبًا لَهُ حُكْمُ الْعِلَلِ وَشُبِّهَ بِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُودَعِ السَّارِقَ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ لِتَخَلُّلِ فِعْلِ مُخْتَارٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّلَفِ وَهُوَ فِعْلُ الصَّائِدِ وَانْعِدَامُ عَقْدِ الْتِزَامٍ لِتَرْكِ التَّعَرُّضِ مِنْ الْحَلَالِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ دَفَعَ) مِثَالٌ آخَرُ لِلسَّبَبِ الْمَحْضِ فَوَجَأَ بِهِ نَفْسَهُ أَيْ ضَرَبَ بِذَلِكَ السِّكِّينِ أَوْ السِّلَاحِ نَفْسَهُ فَهَلَكَ مِنْ الْوَجِّ وَهُوَ الضَّرْبُ بِالْيَدِ أَوْ بِالسِّكِّينِ مِنْ بَابِ مَنَعَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْ الدَّفْعَ إلَى الصَّبِيِّ سَبَبٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى التَّلَفِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ عِلَّةٌ وَهِيَ قَتْلُ الصَّبِيِّ نَفْسَهُ بِاخْتِيَارِهِ لَا تُضَافُ تِلْكَ الْعِلَّةُ إلَى السَّبَبِ بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ أَمَرَهُ بِإِمْسَاكِ السِّلَاحِ لَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ وَأَنَّهُ تَلِفَ بِاسْتِعْمَالِهِ وَهُوَ مُخْتَارٌ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مَأْمُورٍ مِنْ جِهَةِ الدَّافِعِ فَإِذَا سَقَطَ عَنْ يَدِ الصَّبِيِّ عَلَى الصَّبِيِّ فَجَرَحَهُ كَانَ الضَّمَانُ حِينَئِذٍ عَلَى الدَّافِعِ؛ لِأَنَّهُ الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ أُضِيفَ إلَى الدَّافِعِ الْعَطَبُ أَيْ الْهَلَاكُ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ لَمْ يَحْصُلْ بِمُبَاشَرَتِهِ فِعْلَ الْإِهْلَاكِ اخْتِيَارًا بَلْ بِإِمْسَاكِهِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ دَفْعِ الدَّافِعِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي الدَّفْعِ فَيُضَافُ مَا لَزِمَ مِنْ الْإِمْسَاكِ إلَيْهِ فَيَضْمَنُ فَصَارَ أَيْ الدَّفْعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ سَبَبًا لَهُ حُكْمُ الْعِلَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ عِلَّةَ التَّلَفِ وَهِيَ السُّقُوطُ عَنْ يَدِ الصَّبِيِّ تُضَافُ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ أَيْ وَكَدَافِعِ السِّكِّينِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مَنْ حَمَلَ صَبِيًّا يَعْنِي صَبِيًّا حُرًّا لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ.
لَيْسَ مِنْهُ بِسَبِيلٍ أَيْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ إلَى بَعْضِ الْمَهَالِكِ فَهَلَكَ بِذَلِكَ الْوَجْهِ أَيْ بِالْحَرِّ فِي مَوْضِعِ الْحَرِّ أَوْ بِالْبَرْدِ فِي مَوْضِعِ الْبَرْدِ أَوْ بِالتَّرَدِّي مِنْ الشَّاهِقِ أَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مَسْبَعَةً أَوْ مُحَيَّاةً فَهَلَكَ بِافْتِرَاسِ سَبُعٍ أَوْ لَدْغِ حَيَّةٍ كَانَ عَاقِلَةُ الْغَاصِبِ أَيْ الَّذِي حَمَلَهُ إلَى الْمَهْلَكَةِ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ ضَامِنًا لِلدِّيَةِ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ قِيلَ ضَامِنَةً أَوْ ضَامِنِينَ لَكَانَ أَحْسَنَ وَفِي الْقِيَاسِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْحَرَّ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ فَإِنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ يَخْتَصُّ بِمَا هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَالْحَرُّ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَمْ يَكُنْ النَّقْلُ إلَى الْمَهْلَكَةِ غَصْبًا فَصَارَ كَمَا لَوْ نَقَلَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ أَوْ حَصَلَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ بِمَرَضٍ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ وَكَذَا لَوْ كَانَ لِلصَّبِيِّ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ.
فَالْحُرُّ حَقِيقَةً أَوْلَى بِذَلِكَ وَكَذَا لَوْ كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ فَكَذَا لَوْ لَمْ يُعَبِّرْ؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي أَنَّهُمَا لَا يُضْمَنَانِ بِالْغَصْبِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ سَبَبٌ لِإِتْلَافِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ بِاسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ وَالْمُسَبِّبُ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي تَسَبُّبِهِ كَانَ ضَامِنًا لِلدِّيَةِ عَلَى مَا قُلْته كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مَحْفُوظٌ بِيَدِ الْوَلِيِّ فَصَارَتْ يَدُهُ عَلَيْهِ مُمْسِكَةً لِحِفْظِهِ فَإِذَا أَزَالَ يَدَهُ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي فَقَدْ أَزَالَ الْمُمْسِكَةَ الْحَافِظَةَ وَصَارَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ الْغَاصِبِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِوُجُودِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ بِلَا مُعَارَضَةٍ فَإِنَّ الصَّبِيَّ لَا يُعَارِضُهُ بِيَدِهِ وَلَا بِلِسَانِهِ إذْ لَا عِبَارَةَ لَهُ فَصَارَ النَّقْلُ إلَى الْمَهْلَكَةِ مُضَافًا إلَى يَدِ الْغَاصِبِ كَمَا فِي الدَّابَّةِ فَكَانَ تَحْصِيلُهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ تَعَدِّيًا وَالتَّلَفُ مُضَافٌ إلَى حُصُولِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ إذْ لَوْ كَانَ بِمَكَانٍ آخَرَ لَمَا أَصَابَهُ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلتَّلَفِ فَكَانَ تَقْرِيبُهُ إلَى الْمَهْلَكَةِ سَبَبًا فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَوْلَا تَقْرِيبُهُ إيَّاهُ مِنْ هَذِهِ الْمَهْلَكَةِ لَمَا أَصَابَتْهُ الْآفَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ بِمَرَضٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْهَلَاكِ أَمْرٌ حَدَثَ مِنْ نَفْسِ الصَّبِيِّ وَلَا يُضَافُ إلَى إزَالَةِ الْوَلِيِّ عَنْهُ وَلَا إلَى نَقْلِهِ إلَى مَكَان آخَرَ بِوَجْهٍ إذْ لَا يُقَالُ لَوْلَا أَخْذُهُ مِنْ يَدِ وَلِيِّهِ وَاسْتِيلَاؤُهُ عَلَيْهِ أَوْ لَوْلَا تَقْرِيبُهُ مِنْ الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ لَمْ يَمُتْ إذْ لَوْ كَانَ فِي يَدِ الْوَلِيِّ وَفِي الْمَكَانِ الْأَوَّلِ لَأَصَابَهُ الْمَوْتُ أَيْضًا إذْ الْمَوْتُ مَحْتُومٌ عَلَى الْعِبَادِ فَلَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ سَبَبًا فَضْلًا مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يُعَارِضُهُ بِلِسَانِهِ فَلَا تَثْبُتُ يَدُهُ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ عَبْدُهُ حَكَّمَ فِيهِ قَوْلَ الصَّبِيِّ لَا يَدَهُ.
وَبِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَطَعَ

الصفحة 181