كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَكَذَلِكَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلِذَلِكَ صَحَّ تَعْجِيلُ الْأُجْرَةِ لَكِنَّهُ يُشْبِهُ الْأَسْبَابَ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِضَافَةِ حَتَّى لَا يَسْتَنِدَ حُكْمُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَنْكَرَ التَّخْصِيصَ عَلَى مَعْنَى أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ قَائِمَةً حَقِيقَةً وَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ لِمَانِعٍ وَهَاهُنَا وَإِنْ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ اسْمًا وَمَعْنًى لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِعِلَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ لِتَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهَا فَلَا يَكُونُ تَخْصِيصًا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا تَصَوُّرَ لِلتَّخْصِيصِ مَعَ قِيَامِ حَقِيقَةِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا تَخَلَّفَ عَنْهَا لِمَانِعٍ لَمْ يَبْقَ عِلَّةً حَقِيقَةً وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ وَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ وَكَذَلِكَ أَيْ وَمِثْلُ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا؛ لِأَنَّ دُخُولَ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِيهِ لِكَوْنِهِ مُتَضَمِّنًا تَعْلِيقَ التَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ وَهُوَ قِمَارٌ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ جَوَّزَهُ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِإِدْخَالِ الشَّرْطِ فِي الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ خَطَرًا فَكَانَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ إدْخَالِهِ فِي السَّبَبِ الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ خَطَرًا تَقْلِيلًا لِلْخَطَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
فَيَبْقَى السَّبَبُ وَهُوَ الْبَيْعُ مُطْلَقًا أَيْ غَيْرُ مُعَلَّقٍ بِالشَّرْطِ كَالْبَيْعِ الْخَالِي عَنْ الْخِيَارِ فَلِذَلِكَ أَيْ لِكَوْنِهِ مُطْلَقًا كَانَ عِلَّةً اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالشَّرْطِ وَدَلَالَةً لِكَوْنِهِ عِلَّةً لَا سَبَبًا مَا قُلْنَا فِي الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ أَنَّ الْمَانِعَ وَهُوَ الْخِيَارُ إذَا زَالَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ أَوْ بِإِسْقَاطِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَجَبَ الْحُكْمُ أَيْ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي بِهَذَا الْبَيْعِ مِنْ وَقْتِ الْإِيجَابِ حَتَّى يَمْلِكَ الْمُشْتَرَى بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ إلَّا أَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ لَمَّا صَارَ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا قَبْلَ الشَّرْطِ فَالْعِتْقُ الْمَوْجُودُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يَنْفُذَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لَهُ إذَا سَقَطَ الْخِيَارُ وَفِي الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ ثَبَتَ فِي الْمِلْكِ صِفَةُ التَّوَقُّفِ لَا التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ وَتَوَقُّفُ الشَّيْءِ لَا يَعْدَمُ أَصْلُهُ فَثَبَتَ إعْتَاقُهُ بِصِفَةِ التَّوَقُّفِ أَيْضًا عَلَى أَنْ يَنْفُذَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لَهُ كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَهُ وَدَلَالَةُ كَوْنِهِ عِلَّةً لَا سَبَبًا إشَارَةً إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ لَهُ شَبَهًا بِالسَّبَبِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَقَوْلُهُ هَاهُنَا أَيْ الْمَانِعُ إذَا زَالَ يُشِيرُ إلَى تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْجَوَابَ مَا مَرَّ.
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَمِثْلُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ وَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عِلَّةٌ لِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ وَالْأُجْرَةِ اسْمًا؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ لَهُ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَيْهِ وَمَعْنًى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ دُونَ غَيْرِهِ لَا حُكْمًا لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ وَارِدٌ عَلَى الْمَعْدُومِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ الَّتِي تُوجَدُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَالْمَعْدُومُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْمِلْكِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ فِي الْمَنَافِعِ فِي الْحَالِ لَمْ يَثْبُتْ فِي بَدَلِهَا وَهُوَ الْأُجْرَةُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الثُّبُوتِ كَالثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ حُكْمًا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ هَذَا الْعَقْدُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْعَقْدِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْمِلْكِ إلَّا أَنَّ الْعَيْنَ الْمُنْتَفَعَ بِهَا الْمَوْجُودَةَ فِي مِلْكِ الْعَاقِدِ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حُكْمِ جَوَازِ الْعَقْدِ وَلُزُومِهِ لِحَاجَةٍ كَمَا تُقَامُ عَيْنُ الْمَرْأَةِ مَقَامَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ فِي الْعَقْدِ وَالتَّسْلِيمِ وَتُقَامُ الذِّمَّةُ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْمُسَلَّمِ فِيهِ مَقَامَ تِلْكَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ جَوَازِ السَّلَمِ.
وَلِذَلِكَ أَيْ وَلِكَوْنِهِ عِلَّةً اسْمًا وَمَعْنًى صَحَّ تَعْجِيلُ الْأُجْرَةِ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَصَحَّ اشْتِرَاطُ التَّعْجِيلِ كَمَا صَحَّ أَدَاءُ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَأَدَاءُ الصَّوْمِ مِنْ الْمُسَافِرِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ اسْمًا وَمَعْنًى لَكِنَّهُ عَقْدٌ أَيْ عَقْدُ الْإِجَارَةِ يُشْبِهُ الْأَسْبَابَ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِضَافَةِ يَعْنِي هَذَا الْعَقْدَ وَإِنْ صَحَّ فِي الْحَالِ بِإِضَافَتِهِ إلَى الْعَيْنِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْمَنْفَعَةِ لَكِنَّهُ فِي حَقِّ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُضَافِ إلَى زَمَانِ وُجُودِهَا كَأَنَّهُ يَنْعَقِدُ وَقْتَ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ لِيَقْتَرِنَ الِانْعِقَادُ بِالِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَشَايِخِنَا إنَّ الْإِجَازَةَ عُقُودٌ مُتَفَرِّقَةٌ يَتَجَدَّدُ

الصفحة 190