كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَكَذَلِكَ مَرَضُ الْمَوْتِ عِلَّةٌ لِتَغَيُّرِ الْأَحْكَامِ اسْمًا وَمَعْنًى إلَّا أَنَّ حُكْمَهُ يَثْبُتُ بِهِ بِوَصْفِ الِاتِّصَالِ بِالْمَوْتِ فَأَشْبَهَ الْأَسْبَابَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ عِلَّةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْبُيُوعِ يَعْنِي الْبَيْعَ الْمَوْقُوفَ وَالْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّ الْعِلَّةَ بِرُكْنِهَا وَوَصْفِهَا مَوْجُودَةٌ قَبْلَ وُجُودِ الْإِجَارَةِ وَالشَّرْطِ إلَّا أَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ يَمْنَعَانِ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فَعِنْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ يَثْبُتُ الْحُكْمُ مِنْ أَوَّلِ الْإِيجَابِ بِلَا شُبْهَةٍ فَلِذَلِكَ يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ وَبِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذَا صَامَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَالْمُقِيمِ إذَا صَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِنَّ الْمُؤَدَّى يَقَعُ عَنْ الْوَاجِبِ بِلَا شُبْهَةٍ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ مُطْلَقَةً بِصِفَتِهَا وَلَمَّا أَشْبَهَ النِّصَابُ الْعِلَلَ وَكَانَ النِّصَابُ أَصْلًا كَانَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ ثَابِتًا مِنْ الْأَصْلِ فِي التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ مَتَى ثَبَتَ وَالْوَصْفُ لَا يُقَدَّمُ بِنَفْسِهِ بَلْ بِالْمَوْصُوفِ اسْتَنَدَ إلَى أَصْلِ النِّصَابِ وَصَارَ مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ مُتَّصِفًا بِأَنَّهُ حَوْلِيٌّ كَرَجُلٍ يَعِيشُ مِائَةً يَكُونُ الْوَصْفُ بِهَذَا الْبَقَاءِ ذَلِكَ الْوَلِيدَ بِعَيْنِهِ مِنْ أَوَّلِ مَا وُلِدَ إلَى هَذَا الزَّمَانِ وَإِذَا اسْتَنَدَ الْوَصْفُ اسْتَنَدَ الْحُكْمُ وَهُوَ الْوُجُوبُ إلَى أَوَّلِهِ أَيْضًا فَيَصِحُّ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِوُقُوعِ الْأَدَاءِ بَعْدَ وُجُودِ أَصْلِ الْعِلَّةِ لَكِنْ لِيَصِيرَ الْمُؤَدَّى زَكَاةً بَعْدَ الْحَوْلِ عَلَى خِلَافِ مَا.
قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِعَدَمِ وَصْفِ الْعِلَّةِ فِي الْحَالِ فَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ وَنِصَابُهُ كَامِلٌ جَازَ الْمُؤَدَّى عَنْ الزَّكَاةِ لِاسْتِنَادِ الْوَصْفِ إلَى أَوَّلِ الْحَوْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَامِلًا كَانَ الْمُؤَدَّى تَطَوُّعًا حَتَّى لَوْ كَانَ أَدَاؤُهُ إلَى الْفَقِيرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِرْدَادِ مِنْهُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ قَدْ تَمَّتْ بِالْوُصُولِ إلَى يَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ زَكَاةً وَإِنْ أَدَّاهُ الْإِمَامَ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْهُ إذَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْ الْمَدْفُوعِ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ إلَى الْفَقِيرِ فَصَارَ غَنِيًّا قَبْلَ الْحَوْلِ وَارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ كَامِلٌ جَازَ الْمُؤَدَّى عَنْ الزَّكَاةِ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَلَوْ صَارَ الْمُؤَدَّى زَكَاةً بَعْدَ الْحَوْلِ لِشَرْطِ أَهْلِيَّةِ الْمَصْرِفِ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ كَمَا شُرِطَ كَمَالُ النِّصَابِ (قُلْنَا) وَصْفُ كَوْنِ النِّصَابِ حَوْلِيًّا وَإِنْ ثَبَتَ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ لَكِنَّهُ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا إلَى أَوَّلِ السَّبَبِ بِحُكْمِهِ فَيَصِيرُ الْمُؤَدَّى زَكَاةً بَعْدَ الْحَوْلِ مِنْ حِينِ الْأَدَاءِ لَا مُقْتَصِرًا عَلَى تَمَامِ الْحَوْلِ فَيُعْتَبَرُ أَهْلِيَّةُ الْمَصْرِفِ عِنْدَ الْأَدَاءِ لَا عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَكَانَ اسْتِغْنَاؤُهُ أَوْ ارْتِدَادُهُ قَبْلَ الْحَوْلِ وَبَعْدَهُ سَوَاءً وَالْحَوْلُ لَيْسَ بِمَعْنَى الْأَجَلِ كَمَا زَعَمَ الْخَصْمُ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْمَدْيُونِ وَيَصِيرُ الدَّيْنُ حَالًّا وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَبِمَوْتِ صَاحِبِ الْمَالِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ هَاهُنَا يَسْقُطُ الْوَاجِبُ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَكَذَا الْمَدْيُونُ يَمْلِكُ إسْقَاطَ الْأَجَلِ وَلَا يَمْلِكُ صَاحِبُ الْمَالِ هَاهُنَا إسْقَاطَ الْحَوْلِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَى الْأَجَلِ.

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَمِثْلُ النِّصَابِ مَرَضُ الْمَوْتِ عِلَّةٌ لِتَغَيُّرِ الْأَحْكَامِ مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْوَارِثِ بِالْمَالِ وَحَجْرِ الْمَرِيضِ عَنْ التَّبَرُّعِ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَارِثِ مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْمُحَابَاةِ وَالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا اسْمًا؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ فِي الشَّرْعِ لِلتَّغَيُّرِ مِنْ الْإِطْلَاقِ إلَى الْحَجْرِ وَمَعْنًى؛ لِأَنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِي الْحَجْرِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا هُوَ حَقُّ الْوَارِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّك لَأَنْ تَدَعَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» .
فَمَنَعَهُ عَنْ التَّبَرُّعِ فِيمَا وَرَاءَ الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنَّ أَيْ لَكِنَّ حُكْمَ الْمَرَضِ وَهُوَ الْحَجْرُ عَنْ التَّصَرُّفِ يَثْبُتُ بِالْمَرَضِ بِوَصْفِ اتِّصَالِهِ بِالْمَوْتِ فَأَشْبَهَ الْأَسْبَابَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ تَوَقَّفَ عَلَى أَمْرٍ

الصفحة 194