كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَكَذَلِكَ الرَّمْيُ إلَّا أَنَّ الْحُكْمَ لَمَّا تَرَاخَى عَنْهُ أَشْبَهَ الْأَسْبَابَ.

وَكَذَلِكَ التَّزْكِيَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَنْزِلَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ حَتَّى إذَا رَجَعَ الْمُزَكِّي ضَمِنَ لِمَا ذَكَرْنَا.

وَأَمَّا الْوَصْفُ الَّذِي لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَلِ فَكُلُّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِوَصْفَيْنِ مُؤَثِّرَيْنِ لَا يَتِمُّ نِصَابُ الْعِلَّةِ إلَّا بِهِمَا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شُبْهَةُ الْعِلَلِ حَتَّى إذَا تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَرِيقٍ مَوْضُوعٍ وَلَيْسَ بِعِلَّةٍ لَكِنْ لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَلِ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسِيئَةَ وَكَذَلِكَ الْقَدْرُ لِأَنَّ رِبَا النَّسِيئَةِ شُبْهَةُ الْفَضْلِ فَيَثْبُتُ بِشُبْهَةِ الْعِلَّةِ وَهُوَ أَحَدُ الْوَصْفَيْنِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاسِطَةَ وَهِيَ الشَّرْطُ يُضَافُ إلَيْهِ الْعِتْقُ وُجُودًا عِنْدَهُ لَا وُجُوبًا بِهِ وَالْعِتْقُ عِنْدَ وُجُودِهِ مُضَافٌ إلَى مَا هُوَ بَاقٍ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ نِيَّةُ الْكَفَّارَةِ حَتَّى لَوْ اقْتَرَنَتْ بِهِ النِّيَّةُ عِنْدَ التَّعْلِيقِ بِأَنْ عَنَى بِقَوْلِهِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ الْحُرِّيَّةَ عَنْ الْكَفَّارَةِ أَجْزَى عَنْهُ لِاقْتِرَانِ نِيَّةِ الْكَفَّارَةِ بِالْإِعْتَاقِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

وَكَذَلِكَ أَيْ مِثْلُ شِرَاءِ الْقَرِيبِ الرَّمْيُ عِلَّةٌ لِلْقَتْلِ شَبِيهَةٌ بِالْأَسْبَابِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ تَحَرُّكَ السَّهْمِ وَمُضِيَّهُ فِي الْهَوَاءِ وَنُفُوذَهُ فِي الْمَقْصُودِ بِالرَّمْيِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْوَسَائِطَ لَمَّا كَانَتْ مِنْ مُوجِبَاتِ الرَّمْيِ كَانَ الرَّمْيُ عِلَّةً لِلْقَتْلِ كَالشِّرَاءِ لِلْعِتْقِ حَتَّى وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الرَّامِي وَلَمْ تَصِرْ هَذِهِ الْوَسَائِطُ شُبْهَةً فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَلَمَّا تَرَاخَى الْحُكْمُ عَنْ الرَّامِي إلَى وُجُودِ هَذِهِ الْوَسَائِطِ حَتَّى لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ بِمُجَرَّدِ الرَّمْيِ أَشْبَهَ الْأَسْبَابَ.

وَكَذَلِكَ أَيْ وَكَالرَّمْيِ التَّزْكِيَةُ أَيْ تَعْدِيلُ الشُّهُودِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَنْزِلَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ لِلْحُكْمِ بِالرَّجْمِ فِيمَا إذَا شَهِدُوا بِالزِّنَا عَلَى مُحْصَنٍ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْحُكْمِ بِالرَّجْمِ شَهَادَةُ الشُّهُودِ وَهِيَ لَا تَكُونُ مُوجِبَةً بِدُونِ التَّزْكِيَةِ فَكَانَتْ التَّزْكِيَةُ عِلَّةَ الْعِلَّةِ حَتَّى إذَا رَجَعَ الْمُزَكُّونَ بِأَنْ قَالُوا تَعَمَّدْنَا الْكَذِبَ ضَمِنُوا الدِّيَةَ عِنْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ شِرَاءِ الْقَرِيبِ أَنَّ عِلَّةَ الْعِلَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَصِيرُ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى التَّزْكِيَةِ
وَلَكِنْ مِنْ حَيْثُ إنَّ التَّزْكِيَةَ صِفَةٌ لِلشَّهَادَةِ بَقِيَ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى الشَّهَادَةِ فَضَمِنَ الشُّهُودُ عِنْدَ الرُّجُوعِ أَيْضًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ بِحَالٍ أَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَثْنَوْا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ خَيْرًا بِأَنْ قَالُوا هُوَ مُحْصَنٌ وَالضَّمَانُ يُضَافُ إلَى السَّبَبِ هُوَ تَعَدٍّ لَا إلَى مَا هُوَ حَسَنٌ وَخَيْرٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ رَجَعُوا مَعَ الْمُزَكِّينَ لَمْ يَضْمَنْ الْمُزَكُّونَ شَيْئًا.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُزَكِّينَ لَيْسُوا كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا مَا لَيْسَ بِمُوجِبٍ مُوجِبًا إذْ الشُّهُودُ بِالزِّنَا بِدُونِ الْإِحْصَانِ مُوجِبٌ لِلْعُقُوبَةِ وَلَكِنَّهَا لَا تُوجِبُ شَيْئًا بِدُونِ التَّزْكِيَةِ فَالْمُزَكُّونَ بِإِثْنَاءِ الْخَيْرِ كَذِبًا أَعْمَلُوا سَبَبَ التَّلَفِ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي فَضَمِنُوا وَأَمَّا إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ مَعَهُمْ فَقَدْ انْقَلَبَتْ الشَّهَادَةُ تَعَدِّيًا وَأَمْكَنَ الْإِضَافَةُ إلَيْهَا عَلَى الْقُصُورِ؛ لِأَنَّهَا تَعَدٍّ لَمْ يَحْدُثْ بِالتَّزْكِيَةِ لِاخْتِيَارِهِمْ فِي الْأَدَاءِ فَلَمْ يُضَفْ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْوَصْفُ الَّذِي لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَلِ فَكُلُّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِكَذَا) أَيْ الْوَصْفُ الَّذِي كَذَا فَأَحَدُ الْوَصْفَيْنِ الْمُؤَثِّرَيْنِ مِنْ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ ذَاتُ وَصْفَيْنِ فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شُبْهَةَ الْعِلَّةِ لِتَأْثِيرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْحُكْمِ حَتَّى إذَا تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ سَبَبًا
وَهَذَا رَدٌّ لِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ وُجُودَ بَعْضِ مَا يَتِمُّ عِلَّةً بِانْضِمَامِ مَعْنًى آخَرَ إلَيْهِ كَأَحَدِ شَطْرَيْ الْبَيْعِ وَأَحَدِ وَصْفَيْ عِلَّةِ الرِّبَا مِنْ الْأَسْبَابِ الْمَحْضَةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ مَا لَمْ تَتِمَّ الْعِلَّةُ فَكَانَ الْمَبْدَأُ مُعْتَبَرًا لِتَمَامِهِ وَكَانَ كَالطَّرِيقِ إلَى الْمَقْصُودِ عِنْدَ غَيْرِهِ وَذَلِكَ الْغَيْرُ لَيْسَ بِمُضَافٍ إلَيْهِ فَيَكُونُ سَبَبًا مَحْضًا فَقَالَ أَحَدُ الْوَصْفَيْنِ إذَا تَقَدَّمَ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَرِيقٍ مَوْضُوعٍ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِعِلَّتِهِ بَلْ مُؤَثِّرٍ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَمِنْ أَرْكَانِ الْعِلَّةِ فَلَمْ يَكُنْ سَبَبًا وَلَيْسَ بِعِلَّةٍ بِنَفْسِهِ أَيْضًا لِفَوَاتِ الشَّطْرِ الثَّانِي مِنْ الْعِلَّةِ لَكِنْ لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَلِ لِكَوْنِهِ أَحَدَ رُكْنَيْ الْعِلَّةِ أَوْ أَرْكَانِهَا
وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي سَمَّيْنَاهُ عِلَّةً مَعْنًى لَا اسْمًا وَلَا حُكْمًا وَكَانَ هَذَا الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ إذَا تَرَكَّبَتْ مِنْ وَصْفَيْنِ أَوْ أَوْصَافٍ كَانَ الْمَجْمُوعُ هُوَ الْعِلَّةُ عِنْدَ

الصفحة 196