كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَأَمَّا الْعِلَّةُ مَعْنًى وَحُكْمًا لَا اسْمًا فَكُلُّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ مُؤَثِّرَيْنِ فَإِنَّ آخِرَهُمَا وُجُودًا عِلَّةٌ حُكْمًا لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ تَرَجَّحَ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْوُجُودِ وَشَارَكَهُ فِي الْوُجُوبِ وَمَعْنًى لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِيهِ لَا اسْمًا لِأَنَّ الرُّكْنَ يَتِمُّ بِهِمَا فَلَا يُسَمَّى بِذَلِكَ أَحَدُهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضٍ وَصِفَةُ الِاجْتِمَاعِ هِيَ الْعِلَّةُ عِنْدَ قَوْمٍ.
وَالْوَصْفُ الزَّائِدُ عَلَى الْمَجْهُولِ الَّذِي لَا يُتَصَوَّرُ انْعِقَادُ الْعِلَّةِ بِدُونِهِ عِنْدَ آخَرِينَ حَتَّى قَالُوا فِي سَفِينَةٍ لَا تَغْرَقُ بِوَضْعِ كُرٍّ وَتَغْرَقُ إذَا زِيدَ عَلَى الْكُرِّ قَفِيزٌ إذَا وُضِعَ فِيهَا كُرٌّ وَقَفِيزٌ حَتَّى غَرِقَتْ كَانَ الْكُرُّ وَالْقَفِيزُ جَمِيعًا عِلَّةً لِلتَّلَفِ عِنْدَ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ وَصِفَةُ الِاجْتِمَاعِ عِنْدَ الْفَرِيقِ الثَّانِي وَقَفِيزٌ وَاحِدٌ غَيْرُ عَيْنٍ مِنْ الْجُمْلَةِ عِنْدَ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ عَلَى مَا عُرِفَ تَمَامُهُ فِي الْمِيزَانِ فَكَانَ الشَّيْخَيْنِ اخْتَارَا الْقَوْلَ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثَ فَكَانَ الْوَصْفُ الْأَوَّلُ قَبْلَ وُجُودِ الْوَصْفِ الثَّانِي خَالِيًا عَنْ صِفَةِ الِاجْتِمَاعِ وَعَنْ كَوْنِهِ وَاحِدًا مِنْ الْجُمْلَةِ غَيْرَ عَيْنٍ لِكَوْنِهِ عَيْنًا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْحُكْمِ فَكَانَ سَبَبًا مَحْضًا وَاخْتَارَ الشَّيْخُ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلَ فَكَانَ لِلْوَصْفِ الْأَوَّلِ نَوْعُ تَأْثِيرٍ فِي الْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِ الْآخَرِ فَلَمْ نُجْعَلْ عَنْ مَعْنَى الْعِلَّةِ
وَلِهَذَا أَيْ وَلِأَنَّ لِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ شُبْهَةَ الْعِلَّةِ قُلْنَا إنَّ الْجِنْسَ الَّذِي هُوَ أَحَدُ وَصْفَيْنِ لَهُ عِلَّةُ الرِّبَا يَحْرُمُ رِبَا النَّسِيئَةِ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ قُوهِيًّا فِي قُوهِيٍّ لَا يَجُوزُ وَكَذَا الْقَدْرُ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ شَعِيرًا فِي حِنْطَةٍ أَوْ حَدِيدًا فِي رَصَاصٍ لَا يَجُوزُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ رِبَا النَّسِيئَةِ شُبْهَةُ الْفَضْلِ فَإِنَّ لِلنَّقْدِ مَزِيَّةً عَلَى النَّسِيئَةِ عُرْفًا وَعَادَةً حَتَّى كَانَ الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً أَكْثَرَ مِنْهُ فِي الْبَيْعِ بِالنَّقْدِ فَيَثْبُتُ بِشُبْهَةِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّسِيئَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَهِيَ أَسْرَعُ ثُبُوتًا مِنْ حُرْمَةِ الْفَضْلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ» وَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ الَّذِي لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَّةِ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْفَضْلِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى الْحُرْمَتَيْنِ وَلَهَا عِلَّةٌ مَعْلُومَةٌ فِي الشَّرْعِ فَلَا يَثْبُتُ بِمَا هُوَ دُونَهَا فِي الدَّرَجَةِ.
وَلَا يُقَالُ لَوْ ثَبَتَ حُرْمَةُ شُبْهَةِ الْفَضْلِ لِشُبْهَةِ الْعِلَّةِ لَزِمَ تَوْزِيعُ الْحُكْمِ عَلَى أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ثُبُوتُ حُرْمَةِ النَّسِيئَةِ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِثُبُوتِهَا إلَّا بِاعْتِبَارِ التَّوْزِيعِ إذْ التَّوْزِيعُ أَنْ يَثْبُتَ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ بَعْضُ حُرْمَةِ الْفَضْلِ وَلَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْهَا بِهِ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْعِلَّةُ مَعْنًى وَحُكْمًا لَا اسْمًا) فَهِيَ الْوَصْفُ الْآخِرُ وُجُودًا مِنْ عِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ مُؤَثِّرَيْنِ وَاحْتَرَزَ بِهَذَا الْقَيْدِ عَمَّا إذَا تَوَقَّفَ الْحُكْمُ عَلَى وَصْفَيْنِ أَحَدُهُمَا مُؤَثِّرٌ فِيهِ دُونَ الْآخَرِ فَإِنَّ الْوَصْفَ الْمُؤَثِّرَ هُوَ الْعِلَّةُ وَالْوَصْفَ الْآخَرَ شَرْطٌ أَمَّا كَوْنُهُ عِلَّةً حُكْمًا فَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُوجَدُ عِنْدَهُ وَيُضَافُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَيْ الْوَصْفَ الْمَوْجُودَ آخِرًا شَارَكَ الْأَوَّلَ فِي الْوُجُوبِ أَيْ فِي إيجَابِ الْحُكْمِ وَلَكِنَّهُ تَرَجَّحَ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْوُجُودِ أَيْ بِوُجُودِ الْحُكْمِ عِنْدَهُ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا شَارَكَ الْأَوَّلَ فِي الْوُجُوبِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَيْهِمَا جَمِيعًا قُلْنَا لَمَّا تَرَجَّحَ الْوَصْفُ الْأَخِيرُ بِوُجُودِ الْحُكْمِ عِنْدَهُ عَدِمَ حُكْمُ الْأَوَّلِ تَقْدِيرًا؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَارَةً تَنْعَدِمُ بِمُعَارَضَةِ الرَّاجِحِ وَتَارَةً تَنْعَدِمُ لِمَعْنًى فِي ذَاتِهِ فَانْعَدَمَ الْأَوَّلُ بِالرَّاجِحِ وَصَارَ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى الْوَصْفِ الْأَخِيرِ كَمَا فِي الْمَنِّ الْأَخِيرِ فِي السَّفِينَةِ وَالْقَدَحِ الْأَخِيرِ فِي السُّكْرِ وَرِدَّةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا مُضَافٌ إلَى الْوَصْفِ الْأَخِيرِ وَفِي إسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّا مَا أَضَفْنَا الْفُرْقَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَاصِمٌ عَلَى مَا عُرِفَ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِهِ وَذَكَرَ فِي التَّقْوِيمِ أَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يُضَافُ إلَى آخِرِ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى إنَّمَا يَصِيرُ مُوجِبًا بِالْأَخِيرِ ثُمَّ الْحُكْمُ يَجِبُ بِالْكُلِّ فَيَصِيرُ الْوَصْفُ الْأَخِيرُ كَعِلَّةِ الْعِلَّةِ فَكَانَ لَهُ حُكْمُ الْعِلَّةِ.
وَذَلِكَ أَيْ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِوَصْفَيْنِ مُؤَثِّرَيْنِ ثُمَّ إضَافَتُهُ إلَى آخِرِهِمَا وُجُودًا مِثْلُ الْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ لِلْعِتْقِ فِي الْقَرِيبِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ

الصفحة 197