كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَذَلِكَ مِثْلُ الْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ لِلْعِتْقِ فَإِنَّ الْمِلْكَ الَّذِي تَأَخَّرَ أُضِيفَ إلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ الْمُشْتَرِي مُعْتِقًا وَمَتَى تَأَخَّرَتْ الْقَرَابَةُ أُضِيفَ إلَيْهَا حَتَّى لَوْ وَرِثَ اثْنَانِ عَبْدًا ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ غَرِمَ لِشَرِيكِهِ وَأُضِيفَ الْعِتْقُ إلَى الْقَرَابَةِ بِخِلَافِ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ فَإِنَّ آخِرَهُمَا شَهَادَةً لَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ إلَّا بِالْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ يَقَعُ بِالْجُمْلَةِ فَلَا يَتَرَجَّحُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ فِي الْحُكْمِ.

فَأَمَّا الْعِلَّةُ اسْمًا وَحُكْمًا لَا مَعْنًى فَمِثْلُ السَّفَرِ لِلرُّخْصَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْوَصْفَيْنِ مُؤَثِّرٌ فِيهِ أَمَّا الْقَرَابَةُ فَلِأَنَّ الْعِتْقَ صِلَةٌ وَالْقَرَابَةُ تُؤَثِّرُ فِي إيجَابِ الصِّلَةِ وَالرِّقُّ مُوجِبٌ لِلْقَطْعِ لِاسْتِلْزَامِهِ الِاسْتِدْلَالَ فَوَجَبَ صِيَانَةُ الْقَرَابَةِ عَمَّا يُوجِبُ الْقَطْعَ.
أَلَا تَرَى أَنَّهَا صِينَتْ عَنْ أَدْنَى الرِّقَّيْنِ وَهُوَ النِّكَاحُ احْتِرَازًا عَنْ الْقَطْعِ فَلَأَنْ تُصَانَ عَنْ أَعْلَاهُمَا كَانَ أَوْلَى وَكَذَا الْمِلْكُ مُؤَثِّرٌ فِي إيجَابِ الصِّلَاتِ حَتَّى اسْتَحَقَّ الْعَبْدُ النَّفَقَةَ عَلَى مَوْلَاهُ بِالْمِلْكِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْعَبْدَانِ اثْنَيْنِ يَلْزَمُهُمَا النَّفَقَةُ بِعَدَدِ الْمِلْكِ وَالنَّفَقَةُ صِلَةٌ وَالزَّكَاةُ تَجِبُ صِلَةً لِلْفُقَرَاءِ بِالْمِلْكِ وَكَذَا الْعُشْرُ تُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمِلْكَ عِلَّةٌ لِمِلْكِ الْإِعْتَاقِ كَالنِّكَاحِ عِلَّةٌ لِمِلْكِ الطَّلَاقِ فَكَانَ فِي الْمِلْكِ مَعْنَى الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْمَلٌ لِلْعِلَّةِ وَإِذَا أَظْهَرَ التَّأْثِيرَ لِلْوَصْفَيْنِ وَعَدَمَ الْحُكْمِ بِفَوَاتِ أَحَدِهِمَا كَانَ الْمَجْمُوعُ عِلَّةً وَاحِدَةً لَا أَنْ تَكُونُ الْقَرَابَةُ عِلَّةً وَالْمِلْكُ شَرْطًا كَمَا زَعَمَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ الْحُكْمُ يُضَافُ إلَى الْوَصْفِ الْأَخِيرِ مِنْهُمَا وُجُودًا لِمَا بَيَّنَّا فَإِذَا كَانَتْ الْقَرَابَةُ سَابِقَةً ثُمَّ وُجِدَ الْمِلْكُ كَانَ الْعِتْقُ مُضَافًا إلَيْهِ حَتَّى صَارَ الْمُشْتَرِي مُعْتِقًا؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُوجِبُ الْمِلْكَ وَالْمِلْكَ يُوجِبُ الْعِتْقَ فَكَانَ الْعِتْقُ الثَّابِتُ بِهِ مُضَافًا إلَى الشِّرَاءِ فَيَكُونُ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ لَا كِنَايَةً عَنْ الْإِعْتَاقِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَغَيَّرُ بِالْوَاسِطَةِ مَتَى كَانَتْ الْوَاسِطَةُ ثَابِتَةً بِالْأَوْلَى كَالرَّمْيِ يَكُونُ قَتْلًا بِوَاسِطَةِ النُّفُوذِ وَالْوُصُولِ إلَى الْمَرْمَى بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ لَا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْأَسْرَارِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الشِّرَاءَ إعْتَاقٌ تَقَعُ عَنْ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ النِّيَّةِ وَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ عَلَى قَدْرِ مَا لَزِمَهُ بِالنَّصِّ.
فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْحُكْمَ مُضَافٌ إلَى الْوَصْفِ الْأَخِيرِ إذْ لَوْ كَانَ مُضَافًا إلَيْهِمَا بَعْدَ وُجُودِ الْوَصْفِ الثَّانِي لَمَا كَانَ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا تَامًّا وَلَمَا وَقَعَ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَإِعْتَاقِ أُمِّ الْوَلَدِ وَمَتَى تَأَخَّرَتْ الْقَرَابَةُ أُضِيفَ الْعِتْقُ إلَيْهَا حَتَّى لَوْ وَرِثَ اثْنَانِ عَبْدًا مَجْهُولَ النَّسَبِ أَوْ اشْتَرَيَاهُ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ غَرِمَ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ الَّتِي هِيَ آخِرُ الْوَصْفَيْنِ وُجُودًا حَصَلَتْ بِصُنْعِهِ فَيُضَافُ الْعِتْقُ إلَيْهِ وَيُجْعَلُ الْمُدَّعِي مُعْتِقًا بِوَاسِطَةِ الْقَرَابَةِ كَمَا جُعِلَ الْمُشْتَرِي مُعْتِقًا بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ وَهَذَا كَمَا لَوْ شَهِدَ الرَّجُلَانِ بِنَسَبِ رَجُلٍ فَوَرِثَ بِهِ وَحُجِبَ الْأَبْعَدَ ثُمَّ رَجَعَا فَإِنْ كَانَا شَهِدَا بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ ضَمِنَا بِالْأَبْعَدِ مَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِرْثِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يَضْمَنَا؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ يَثْبُتُ بِالْمَوْتِ وَالنَّسَبِ جَمِيعًا فَإِنْ كَانَ الْمَوْتُ سَابِقًا أُضِيفَ إلَى النَّسَبِ فَصَارَا مُتْلِفَيْنِ عَلَى الْأَبْعَدِ نَصِيبَهُ بِإِثْبَاتِ نَسَبِ الْأَقْرَبِ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا كَانَ الْإِرْثُ مُضَافًا إلَى الْمَوْتِ الثَّابِتِ بَعْدَ النَّسَبِ فَلَمْ يَصِرْ الشَّاهِدَانِ مُتْلِفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَتِهِمَا فَكَذَا هَاهُنَا كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ فَوَائِدِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ عَبْدًا مَجْهُولَ النَّسَبِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ نَاوِيًا عَنْ الْكَفَّارَةِ لَا يَجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُضَافُ إلَى الْقَرَابَةِ وَهِيَ أَمْرٌ جَبْرِيٌّ فَلَا يَصْلُحُ لِلتَّكْفِيرِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ اخْتِيَارِيٌّ فَيَصْلُحُ لِلتَّكْفِيرِ.
وَهَذَا الْفَرْقُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْعِتْقُ فِي الشِّرَاءِ أَمْرٌ جَبْرِيٌّ أَيْضًا كَالْقَرَابَةِ هَاهُنَا وَالدَّعْوَى الَّتِي تُوجِبُ الْقَرَابَةَ هَاهُنَا أَمْرٌ اخْتِيَارِيٌّ كَالشِّرَاءِ هُنَاكَ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بِالدَّعْوَةِ مُعْتِقًا كَمَا جُعِلَ بِالشِّرَاءِ وَلِهَذَا جُعِلَ مُعْتِقًا بِهَا فِي ضَمَانِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ لَكِنْ أَنْ تَثْبُتَ الرِّوَايَةُ فَالْفَرْقُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْقَرَابَةَ وَإِنْ ثَبَتَتْ بِالدَّعْوَةِ لَمْ تَثْبُتْ مُقْتَصِرَةً عَلَى حَالِ الدَّعْوَةِ بَلْ تَثْبُتُ مِنْ حَالِ الْعُلُوقِ فَيَسْتَنِدُ الْعِتْقُ إلَى زَمَانِ الْمِلْكِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ خَلَا عَنْ النِّيَّةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْمَحْلُوفِ بِعِتْقِهِ فَتَكُونُ الدَّعْوَةُ

الصفحة 198