كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَالْمَرَضِ وَمِثْلُ النَّوْمِ لِلْحَدَثِ وَذَلِكَ أَنَّ السَّفَرَ تَعَلَّقَ بِهِ فِي الشَّرْعِ الرُّخْصُ فَكَانَ عِلَّةً حُكْمًا وَنُسِبَتْ الرُّخْصُ إلَيْهِ فَصَارَ عِلَّةً اسْمًا أَيْضًا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْفِطْرُ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا أَفْطَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ وَهَذَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ حُكْمًا وَلَا مَعْنًى فَلَمَّا صَارَ شُبْهَةً عَلِمْنَا أَنَّهُ عِلَّةٌ اسْمًا وَأَمَّا الْمَعْنَى فَلِأَنَّ الرُّخْصَةَ تَعَلَّقَتْ بِالْمَشَقَّةِ فِي الْحَقِيقَةِ إلَّا أَنَّهُ أُضِيفَ إلَى السَّفَرِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمَشَقَّةِ فَأُقِيمَ مَقَامَهَا وَكَذَلِكَ الْمَرَضُ إلَّا أَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQإعْتَاقًا فِي الْحَالِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ فَإِنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بِهِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَكُونُ الشِّرَاءُ إعْتَاقًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا بَيَّنَّا فَيَصْلُحُ لِلْكَفَّارَةِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا إذَا وَرِثَ أَبَاهُ يَنْوِي بِهِ الْكَفَّارَةَ حَيْثُ لَا يُجْزِيهِ أَوْ وَرِثَ رَجُلَانِ عَبْدًا هُوَ قَرِيبُ أَحَدِهِمَا حَتَّى عَتَقَ عَلَيْهِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَثْبُتُ لِلْمَرْءِ بِدُونِ صُنْعِ الْعَبْدِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ إعْتَاقًا بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ وَالتَّكْفِيرُ يَتَأَدَّى بِالْإِعْتَاقِ بِخِلَافِ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ فَإِنَّ آخِرَهُمَا شَهَادَةً لَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ وَلَا يُجْعَلُ عِلَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ مَعْنًى وَحُكْمًا وَإِنْ كَانَ يَثْبُتُ اسْتِحْقَاقُ الْحُكْمِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ أَيْ الْمَذْكُورَ وَهُوَ الشَّهَادَةُ لَا يَعْمَلُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَنْ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ وِلَايَةُ إلْزَامٍ وَالْقَضَاءُ يَقَعُ بِشَهَادَتِهِمَا جُمْلَةً وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ كَوْنُ أَحَدِهِمَا سَابِقًا وَالْآخَرُ مُتَمِّمًا لِعِلَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلِأَنَّ الشَّاهِدَ نَقَلَ عِلْمَهُ إلَى الْقَاضِي وَعِلْمُهُ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الرُّجْحَانُ فِي حُصُولِ الْعِلْمِ لَهُ وَلِأَنَّ فِي الشَّهَادَةِ وَصْفَ الْكَرَامَةِ لِلشَّاهِدِ فَإِنَّ قَبُولَ قَوْلِهِ كَرَامَةٌ لَهُ وَوَصْفُ الْحُجَّةِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَالثَّانِي تَبَعٌ لِلْأَوَّلِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا أَصْلًا.
وَبِخِلَافِ مَا إذَا جَرَحَ رَجُلَانِ رَجُلًا أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ فَمَاتَ الْمَجْرُوحُ كَانَ الْمَوْتُ مُضَافًا إلَى الْجُرْحَيْنِ لَا إلَى الْجُرْحِ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ جِرَاحَةٍ عِلَّةٌ تَامَّةٌ بِنَفْسِهَا وَالْحُكْمُ فِي الْعِلَلِ إذَا اجْتَمَعَتْ تُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ كَأَنْ لَيْسَ مَعَهَا غَيْرُهَا وَكَلَامُنَا فِي عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ لَهَا وَصْفَانِ وَكَذَا لَا يُتَيَقَّنُ بِأَنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ الزُّهُوقُ بِأَيِّهِمَا حَصَلَ فَلَا يُمْكِنُ التَّرْجِيحُ حَتَّى لَوْ جَرَحَ أَحَدُهُمَا وَجَزَّ الْآخَرُ رَقَبَتَهُ كَانَ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى الْجُزْءِ لِاتِّصَالِ الْحُكْمِ بِهِ يَقِينًا
وَبِخِلَافِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ حَيْثُ لَمْ يُضَفْ الْحُكْمُ إلَى آخِرِهِمَا وُجُودًا بَلْ يُضَافُ إلَيْهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِلَّةٌ عَلَى حِدَةٍ فَالْإِيجَابُ عِلَّةُ مِلْكِ الْمَبِيعِ وَالْقَبُولُ شَرْطٌ فِي حَقِّهِ وَالْقَبُولُ عِلَّةُ مِلْكِ الثَّمَنِ وَالْإِيجَابُ شَرْطٌ فِي حَقِّهِ فَيُضَافُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحُكْمَيْنِ إلَى عِلَّتِهِ كَذَا فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْغَرِيَّةِ
وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ عِلَّةُ الْمِلْكِ هِيَ الْعَقْدُ الَّذِي حَكَمَ الشَّرْعُ بِوُجُودِهِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى بِالْبَيْعِ وَيُوصَفُ بِالْبَقَاءِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ الْفَسْخُ فَكَانَ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَيْهِ دُونَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ.

قَوْلُهُ (وَالْمَرَضِ) عَطْفٌ عَلَى السَّفَرِ أَيْ السَّفَرُ وَالْمَرَضُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلرُّخْصَةِ الثَّابِتَةِ بِهِ اسْمًا وَحُكْمًا لَا مَعْنًى وَذَلِكَ أَيْ كَوْنُ السَّفَرِ عِلَّةً اسْمًا وَحُكْمًا أَنَّ السَّفَرَ تُعَلَّقُ بِهِ فِي الشَّرْعِ الرُّخْصُ أَيْ ثَبَتَ مُتَّصِلَةً بِهِ حَتَّى إذَا جَاوَزَ ثُبُوتَ الْمِصْرِ قَصَرَ الصَّلَاةَ فَكَانَ عِلَّةً حُكْمًا
وَنُسِبَتْ الرُّخْصُ إلَى السَّفَرِ شَرْعًا يُقَالُ رُخْصَةُ السَّفَرِ الْقَصْرُ وَالْإِفْطَارُ فَكَانَ عِلَّةً اسْمًا أَيْضًا أَلَا تَرَى إيضَاحًا لِكَوْنِهِ عِلَّةً اسْمًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْفِطْرُ يَعْنِي فِي هَذَا الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَصْبَحَ مُقِيمًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الصَّوْمِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا أَنْشَأَ السَّفَرَ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ مَا تَقَرَّرَ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ إذْ السَّفَرُ لَيْسَ بِمُنَافٍ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَهَذَا أَيْ هَذَا السَّفَرُ فِي حَقِّ هَذَا الْيَوْمِ لَيْسَ بِعِلَّةٍ حُكْمًا لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الرُّخْصَةِ بِهِ حَيْثُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْإِفْطَارُ فِيهِ وَلَا مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ هُوَ الْمَشَقَّةُ لَا نَفْسُ السَّفَرِ فَلَمَّا صَارَ هَذَا السَّفَرُ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ حُكْمًا وَلَا مَعْنًى عَلِمْنَا أَنَّهُ عِلَّةٌ اسْمًا إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً اسْمًا أَيْضًا لَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لِوُجُودِ الْإِفْطَارِ بِلَا تَرَخُّصٍ صُورَةً

الصفحة 199