كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَلَكِنْ أَدْنَى دَرَجَاتِ الْحُكْمِ اسْتِحْبَابُ الْمَأْمُورِ بِهِ وَاسْتِحْبَابُ الْكِتَابِ مُتَعَلِّقٌ بِهَذَا الشَّرْطِ لَا يُوجَدُ إلَّا بِهِ وَيَنْعَدِمُ قَبْلَهُ فَأَمَّا الْإِبَاحَةُ فَتَسْتَغْنِي عَنْهُ وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الِاسْتِحْبَابُ أَلَا يُرَى أَنَّ قَوْلَهُ {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] سُنَّةٌ وَاسْتِحْبَابٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله تَعَالَى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ} [النساء: 101] أَيْ يَقْتُلَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَإِنَّهُ شَرْطُ تَغْلِيبٍ وَمَذْكُورٌ عَلَى وِفَاقِ الْعَادَةِ فَإِنَّ عَامَّةَ أَسْفَارِ الْمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لَمْ يَكُنْ يَخْلُو عَنْ خَوْفِ الْعَدُوِّ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ حَقِيقِيٌّ بِدَلِيلِ جَوَازِ الْقَصْرِ حَالَةَ الْأَمْنِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا مَا نُقِلَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِطُ الْخَوْفَ لِجَوَازِ الْقَصْرِ وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} [النساء: 23] .
فَإِنَّ ذِكْرَ الْحَجْرِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ إذْ الْقَيْدُ شَرْطٌ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ إذْ الرَّبِيبَةُ تُرَبَّى فِي حِجْرِ الرَّبِّ فِي الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ لَا أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الشَّرْطَ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ حُرْمَةِ الرَّبِيبَةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَ دَخَلَ بِأُمِّهَا قَالُوا وَالْفَائِدَةُ فِي تَخْصِيصِ اللَّهِ تَعَالَى حَالَ الِابْتِلَاءِ بِتِلْكَ الْحَادِثَةِ فِي الْعَادَاتِ بِالذِّكْرِ كَوْنُهَا أَوْلَى بِالْبَيَانِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا أَمَسُّ فَرَدَّ الشَّيْخُ ذَلِكَ وَقَالَ صِيغَةُ الشَّرْطِ لَا تَخْلُو عَنْ مَعْنَى الشَّرْطِ قَطُّ خُصُوصًا فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِهِ يُؤَدِّي إلَى الْغَايَةِ وَإِدْخَالِهِ فِي جِنْسِ مَا لَا مَعْنَى لَهُ مِنْ الْأَصْوَاتِ.
وَكَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ لَغْوٌ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْجَوَابِ عَنْ مُتَمَسَّكِهِمْ فَقَالَ فِي الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِهِ {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] أَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ الْأَمْرِ أَيْ أَدْنَى دَرَجَاتِهِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا مَعْنَى الْحَقِيقَةِ وَهُوَ الطَّلَبُ كَذَا وَعِبَارَةُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ حَيْثُ قَالَ الْأَمْرُ لِلْإِيجَابِ تَارَةً وَلِلنَّدَبِ أُخْرَى أَبْعَدُ عَنْ الِاشْتِبَاهِ لَا يُوجَدُ الِاسْتِحْبَابُ إلَّا بِهَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ رُؤْيَةُ الْخَيْرِيَّةِ وَيُعْدَمُ الِاسْتِحْبَابُ قَبْلَ هَذَا الشَّرْطِ فَكَانَ هَذَا الشَّرْطُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَأَمَّا الْإِبَاحَةُ أَيْ إبَاحَةُ الْكِتَابَةِ فَتَسْتَغْنِي عَنْ هَذَا الشَّرْطِ أَيْ هِيَ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِالشَّرْطِ فَيَجُوزُ الْكِتَابَةُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ خَيْرٌ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ إعْتَاقُهُ فَالْكِتَابَةُ أَوْلَى وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الْمَالُ عِنْدَ الْبَعْضِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ كَسُوبًا يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ الْبَدَلِ.
وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْهُ الدِّيَانَةُ وَحُسْنُ خِدْمَةِ الْمَوْلَى فَإِذَا رَأَى الْمَوْلَى ذَلِكَ مِنْهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ جَزَاءً عَلَى فِعْلِهِ وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الِاسْتِصْحَابُ إلَّا عِنْدَ دَاوُد بْنِ عَلِيٍّ وَعَطَاءٍ وَابْنُ سِيرِينَ فَإِنَّهُمْ حَمَلُوهُ عَلَى الْوُجُوبِ إذَا عَلِمَ الْمَوْلَى فِيهِ خَيْرًا وَطَلَبَ الْعَبْدُ الْكِتَابَةَ وَنُقِلَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ عَزْمَةٌ مِنْ عَزَمَاتِ اللَّهِ أَيْ وَاجِبٌ مِنْ وَاجِبَاتِهِ أَلَا تَرَى قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ} [النور: 33] أَيْ حُطُّوا عَنْهُمْ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ شَيْئًا مَا أَحَبَبْتُمْ رُبْعًا فَمَا دُونَهُ سُنَّةً وَاسْتِحْبَابًا فَكَذَا الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ الِانْتِظَامُ وَالِاتِّسَاقُ وَإِنْ كَانَ الْقِرَانُ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ وَهَذَا التَّوْضِيحُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا حُمِلَ الْإِيتَاءُ عَلَى الْحَطِّ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ كَمَا قُلْنَا وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْإِعَانَةِ مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ وَإِعْطَائِهِمْ سَهْمَهُمْ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِقَوْلِهِ فِي الرِّقَابِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ فَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَالْخِطَابُ عَامٌّ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يَصِحُّ التَّوْضِيحُ وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] فَإِنَّهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ عَلَى وِفَاقِ الْعَادَةِ عِنْدَنَا بَلْ لِبَيَانِ النَّدْبِ فَإِنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ إنْ كَانَ مُبَاحًا لَكِنَّهُ غَيْرُ مَنْدُوبٍ إلَيْهِ وَإِنَّمَا يُنْدَبُ إلَيْهِ بِشَرْطِ عَدَمِ طَوْلِ الْحُرَّةِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] وَيُقَالُ اسْتِحْبَابُ شَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ مُتَعَلِّقٌ

الصفحة 204