كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَكَذَلِكَ دَلَالَةُ الشَّرْطِ لَا تَنْفَكُّ عَنْ مَدْلُولِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ الرَّجُلِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُ طَالِقٌ ثَلَاثًا هَذَا الْكَلَامُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ دَلَالَةً لِوُقُوعِ الْوَصْفِ فِي النَّكِرَةِ وَلَوْ وَقَعَ فِي الْعَيْنِ لَمَا صَلَحَ دَلَالَةً وَنَصُّ الشَّرْطِ بِجَمِيعِ الْوَجْهَيْنِ.

وَأَمَّا الشَّرْطُ الَّذِي هُوَ فِي حُكْمِ الْعِلَلِ فَإِنَّ كُلَّ شَرْطٍ لَمْ يُعَارِضْهُ عِلَّةٌ صَلَحَ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً يُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ وَمَتَى عَارَضَهُ عِلَّةٌ لَمْ يَصْلُحْ عِلَّةً وَذَلِكَ لِمَا قُلْنَا إنَّ الشَّرْطَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُودُ دُونَ الْوُجُوبِ فَصَارَ شَبِيهًا بِالْعِلَلِ وَالْعِلَلُ أُصُولٌ لَكِنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ عِلَلًا بِذَوَاتِهَا اسْتَقَامَ أَنْ يُخْلِفَهَا الشُّرُوطَ وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ لِعُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْحَجْرَ فِي عَكْسِهِ أَعْنِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] فَلَوْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْوَصْفَيْنِ جَمِيعًا لِذِكْرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ ذِكْرِ الْإِبَاحَةِ بِأَنْ قِيلَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ أَوْ لَمْ تَكُنْ الرَّبَائِبُ فِي حُجُورِكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالشَّرْطَيْنِ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِاخْتِصَاصِ الدُّخُولِ بِالنَّفْيِ دُونَ الْحُجُورِ فَائِدَةٌ لَوْ كَانَ الْحَجْرُ مَذْكُورًا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ.
قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَعْضِ تَصَانِيفِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْحَجْرَ لِمُرَاعَاةِ حَقِّ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ الْإِنْسَانِ أَنْ يُضَيِّعَ الشَّيْءَ الَّذِي يُحَرَّمُ عَلَيْهِ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَشَارَ بِمُرَاعَاةِ مَنْ فِي حَجْرِهِ مَعَ كَوْنِهِ حَرَامًا عَلَيْهِ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَبْغَضُ الرَّبِيبَ وَالرَّبِيبَةَ طَبْعًا وَيَتَنَفَّرُ عَنْهُمَا عَادَةً فَكَانَ ذِكْرُ الْحَجْرِ تَحْرِيضًا لَهُ عَلَى التَّرْبِيَةِ وَتَرْغِيبًا إلَى مُخَالَفَةِ مَا يَدْعُو إلَيْهِ الطَّبْعُ إذْ فِي ذَلِكَ تَضْيِيعُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَهُوَ شَرْطٌ اسْمًا وَحُكْمًا أَيْ عَدَمُ الدُّخُولِ بِالْمَرْأَةِ شَرْطٌ حَقِيقِيٌّ مَحْضٌ لِإِبَاحَةِ الْبِنْتِ صِيغَةً لِوُجُودِ حَرْفِ الشَّرْطِ فِيهِ وَحُكْمًا لِتَوَقُّفِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ عَلَى تَحَقُّقِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْحُكْمِ إذْ مَعْنَى الشَّرْطِ لَيْسَ إلَّا تَوَقُّفَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا التَّأْثِيرُ وَهُوَ غَيْرُ الْحُكْمِ.
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ دَلَالَةُ الشَّرْطِ) أَيْ كَمَا لَا يَنْفَكُّ صِيغَةُ الشَّرْطِ عَنْ مَعْنَاهُ لَا يَنْفَكُّ دَلَالَةُ الشَّرْطِ عَنْ مَدْلُولِهَا وَهُوَ مَعْنَى الشَّرْطِ وَذَلِكَ أَيْ ثُبُوتُ الشَّرْطِ دَلَالَةً وَعَدَمُ انْفِكَاكِهِ عَنْ الْمَدْلُولِ مِثْلُ قَوْلِ الرَّجُلِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ أَوْ مِثْلُ قَوْلِهِ لِنِسَائِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي تَدْخُلُ مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ هَذَا الْكَلَامُ بِمَعْنَى التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ دَلَالَةً وَالتَّزَوُّجُ وَدُخُولُ الدَّارِ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ حَتَّى يَتَوَقَّفَ وُجُودُ الْعِلَّةِ عَلَى وُجُودِ التَّزَوُّجِ وَالدُّخُولِ أَوْ الدُّخُولُ دَخَلَ عَلَى امْرَأَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فَكَانَتْ نَكِرَةً وَالْوَصْفُ فِي النَّكِرَةِ مُعْتَبَرٌ لِتَعَرُّفِهَا بِهِ فَصَلَحَ دَلَالَةً عَلَى الشَّرْطِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ قَالَ إنْ دَخَلَتْ وَاحِدَةٌ مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ.
وَلَوْ وَقَعَ الْوَصْفُ فِي الْعَيْنِ بِأَنْ أَشَارَ إلَى امْرَأَةٍ وَقَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا أَوْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي تَدْخُلُ الدَّارَ فَكَذَا لَمْ يَصْلُحْ دَلَالَةً عَلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ فِي الْعَيْنِ لَغْوٌ فَيَبْقَى قَوْلُهُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ طَالِقٌ فَيَلْغُو فِي الْأَجْنَبِيَّةِ وَيَتَنَجَّزُ فِي الْمَنْكُوحَةِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ دَلَالَةِ الشَّرْطِ وَصَرِيحِ الشَّرْطِ فَقَالَ وَنَصُّ الشَّرْطِ لِجَمْعِ الْوَجْهَيْنِ يَعْنِي لَوْ أَتَى بِصَرِيحِ الشَّرْطِ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهِ فِي الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ كَذَا أَوْ يَقُولُ إنْ تَزَوَّجْت هَذِهِ الْمَرْأَةَ فَهِيَ كَذَا يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِالشَّرْطِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الشَّرْطُ الَّذِي هُوَ فِي حُكْمِ الْعِلَلِ) وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الشَّرْطِ فَإِنَّ كُلَّ شَرْطٍ لَمْ يُعَارِضْهُ عِلَّةٌ صَالِحَةٌ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا صَلَحَ ذَلِكَ الشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً يُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ أَيْ صَلَحَ عِلَّةً فِي حَقِّ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ خَلَفًا عَنْ الْعِلَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَمَتَى عَارَضَ الشَّرْطَ عِلَّةٌ صَالِحَةٌ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا لَمْ يَصْلُحْ الشَّرْطُ عِلَّةً لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى إثْبَاتِ الْخِلَافَةِ
وَذَلِكَ أَيْ عَدَمُ صَلَاحِيَةِ الشَّرْطِ لِلْخِلَافَةِ عِنْدَ صَلَاحِيَةِ الْعِلَّةِ لِلْإِضَافَةِ إلَيْهَا لَمَّا قُلْنَا إنَّ الشَّرْطَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُودُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُوجَدُ عِنْدَ وُجُودِهِ دُونَ الْوُجُوبِ أَيْ الْإِثْبَاتِ إذْ لَا تَأْثِيرَ لَهُ

الصفحة 206