كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

فَقَدْ قَالُوا فِي شُهُودِ الشَّرْطِ وَالْيَمِينِ إذَا رَجَعُوا بَعْدَ الْحُكْمِ إنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُمْ شُهُودُ الْعِلَّةِ وَكَذَلِكَ الْعِلَّةُ وَالسَّبَبُ إذَا اجْتَمَعَا سَقَطَ حُكْمُ السَّبَبِ كَشُهُودِ التَّخْيِيرِ وَالِاخْتِيَارِ إذَا اجْتَمَعُوا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ الْحُكْمِ فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى شُهُودِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ هُوَ الْعِلَّةُ وَالتَّخْيِيرُ سَبَبٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ.
فَصَارَ الشَّرْطُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ شَبِيهًا بِالْعِلَلِ وَالْعِلَلُ أُصُولٌ يَعْنِي فِي إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ وَإِضَافَتِهَا إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ وَالْإِيجَابِ فَلَا يَجُوزُ مَعَ وُجُودِ حَقِيقَةِ الْعِلَّةِ وَصَلَاحِهَا لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا أَنْ يُضَافَ إلَى مَالِهِ شَبَهُ الْعِلَّةِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْلُفَهَا الشَّرْطُ أَصْلًا إذْ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إيجَادِ الْحُكْمِ بِوَجْهٍ كَمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ لَكِنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مَالًا بِذَوَاتِهَا بَلْ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ أَمَارَاتٌ عَلَى الْأَحْكَامِ كَالشُّرُوطِ اسْتَقَامَ أَنْ يَخْلُفَهَا الشُّرُوطُ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْحُكْمِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا لِتَحَقُّقِ الشَّبَهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا بَيَّنَّاهُ
وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ أَيْ اعْتِبَارُ الْعِلَّةِ عِنْدَ صَلَاحِهَا لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا وَتَرْجِيحُهَا عَلَى الشَّرْطِ أَصْلٌ كَبِيرٌ لِعُلَمَائِنَا فَقَدْ قَالُوا فِي شُهُودِ الشَّرْطِ وَالْيَمِينِ إذَا رَجَعُوا بِأَنْ شَهِدَ فَرِيقٌ لِامْرَأَةٍ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بِتَعْلِيقِ الزَّوْجِ طَلَاقَهَا بِدُخُولِ الدَّارِ أَوْ شَهِدُوا لِعَبْدٍ بِتَعْلِيقِ الْمَوْلَى عِتْقَهُ بِشَرْطٍ ثُمَّ شَهِدَ آخَرُونَ بِوُجُودِ الشَّرْطِ ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا بَعْدَ الْحُكْمِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَلُزُومِ نِصْفِ الْمَهْرِ أَوْ بِالْحُرِّيَّةِ أَنَّ الضَّمَانَ أَيْ ضَمَانَ الْعَبْدِ وَضَمَانَ مَا أَدَّاهُ الزَّوْجُ إلَى الْمَرْأَةِ وَهُوَ نِصْفُ الْمَهْرِ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ أَيْ التَّعْلِيقَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُمْ شُهُودُ الْعِلَّةِ فَإِنَّهُمْ أَثْبَتُوا قَوْلَ الزَّوْجِ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَوْلَ الْمَوْلَى أَنْتَ حُرٌّ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَالِحٌ لِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ إلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ إضَافَتُهُ إلَى الشَّرْطِ فَلَمْ يَضْمَنْ شُهُودُ الشَّرْطِ شَيْئًا وَسُمِّيَ شُهُودُ التَّعْلِيقِ شُهُودَ الْعِلَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عِلَّةً قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ إمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِعَرْضٍ أَنْ يَصِيرَ عِلَّةً فَكَانَ هَذَا تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْفَرِيقَيْنِ لَمَّا شَهِدُوا أَوْ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمْ قَدْ ثَبَتَ لِلْمُعَلَّقِ اتِّصَالٌ بِالْمَحَلِّ بِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي زَعْمِهِمْ وَصَارَ عِلَّةً حَقِيقَةً فَيَصِحُّ تَسْمِيَتُهُمْ بِشُهُودِ الْعِلَّةِ.
وَإِنَّمَا وَجَبَ الضَّمَانُ فِيمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ تَزَوَّجَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَى شَاهِدَيْ الدُّخُولِ وَإِنْ كَانَا شَاهِدَيْ شَرْطٍ وَالْعِلَّةُ فِي إيجَابِ الْمَهْرِ هُوَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ أَبْرَآ شُهُودَ النِّكَاحِ عَنْ الضَّمَانِ حَيْثُ أَدْخَلَا فِي مِلْكِ الزَّوْجِ عِوَضَ مَا غَرِمَ مِنْ الْمَهْرِ وَهُوَ اسْتِيفَاءُ مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَهَاهُنَا شُهُودُ الشَّرْطِ لَمْ يُبَرِّئُوا شُهُودَ التَّعْلِيقِ عَنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُدْخِلُوا فِي مِلْكِ الزَّوْجِ عِوَضَ مِلْكِ النِّكَاحِ الْمُوجِبِ لِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ فَيَبْقَى هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى شَرْطٍ مَحْضٍ فَلَمْ يُضَفْ الضَّمَانُ إلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ أَيْ وَكَمَا سَقَطَ اعْتِبَارُ الشَّرْطِ عِنْدَ صَلَاحِ الْعِلَّةِ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا سَقَطَ حُكْمُ السَّبَبِ إذَا اجْتَمَعَ السَّبَبُ وَالْعِلَّةُ الصَّالِحَةُ لِلْإِضَافَةِ أَيْضًا كَشُهُودِ التَّخْيِيرِ وَالِاخْتِيَارِ إذَا اجْتَمَعُوا فِي الطَّلَاقِ بِأَنْ شَهِدَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّ الزَّوْجَ قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فِي الْمَجْلِسِ الْفُلَانِيِّ اخْتَارِي نَفْسَك وَشَهِدَ آخَرُونَ بِأَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَالْعَتَاقُ بِأَنْ شَهِدَ فَرِيقٌ بِأَنَّ الْمَوْلَى قَالَ لِعَبْدِهِ فِي الْمَجْلِسِ الْفُلَانِيِّ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْت أَوْ قَالَ لَهُ اخْتَرْ عِتْقَك وَشَهِدَ آخَرُونَ بِأَنَّ الْعَبْدَ قَالَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ قَدْ شِئْت أَوْ قَالَ اخْتَرْت الْعِتْقَ ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا بَعْدَ الْحُكْمِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ فَإِنَّ الضَّمَانَ أَيْ ضَمَانَ نِصْفِ الْمَهْرِ فِي الطَّلَاقِ وَضَمَانَ الْعَبْدِ فِي الْعَتَاقِ عَلَى شُهُودِ الِاخْتِيَارِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ هُوَ الْعِلَّةُ؛ لِأَنَّ لُزُومَ الْمَهْرِ وَفَوَاتَ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ يَحْصُلُ بِهِ لَا بِالتَّخْيِيرِ وَالتَّخْيِيرُ سَبَبٌ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ مُفْضٍ إلَيْهِ فَكَانَ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى

الصفحة 207