كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

فَأَمَّا إذَا سَلِمَ الشَّرْطُ عَنْ مُعَارَضَةِ الْعِلَّةِ صَلَحَ عِلَّةً لِمَا قُلْنَا وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ عُلَمَائِنَا فِي رَجُلٌ قَيَّدَ عَبْدَهُ ثُمَّ حَلَفَ فَقَالَ إنْ كَانَ قَيْدُهُ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ حَلَّهُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ فَهُوَ حُرٌّ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْقَيْدَ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ فَقَضَى الْقَاضِي ثُمَّ حَلَّهُ وَوَزَنَهُ فَإِذَا هُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ يَضْمَنَانِ قِيمَتَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْإِعْتَاقِ يَنْفُذُ عِنْدَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَقَدْ وَجَبَ الْعِتْقُ بِشَهَادَتِهِمَا وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنَانِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَمْ يَنْفُذْ فِي الْبَاطِنِ فَوَقَعَ الْعِتْقُ بِحَلِّ الْقَيْدِ وَهَذَانِ الشَّاهِدَانِ أَثْبَتَا شَرْطَ الْعِتْقِ لَا عِلَّةَ الْعِتْقِ وَمَعَ ذَلِكَ ضَمِنَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ عِلَّةَ الْعِتْقِ لَا يَصْلُحُ لِضَمَانِ الْعِتْقِ وَهُوَ يَمِينُ الْمَوْلَى فَجُعِلَ الشَّرْطُ عِلَّةً
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِلَّةِ دُونَ السَّبَبِ فَلَا يَضْمَنُ شُهُودُ السَّبَبِ شَيْئًا كَمَا لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الشَّرْطِ.
قَوْلُهُ (فَأَمَّا إذَا سَلِمَ الشَّرْطُ عَنْ مُعَارَضَةِ الْعِلَّةِ) أَيْ الْعِلَّةِ الصَّالِحَةِ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا صَلَحَ الشَّرْطُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ لِمَا قُلْنَا مِنْ شَبَهِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرْطِ وَالْعِلَّةِ بِالْآخَرِ فَكَانَ هَذَا الْقِسْمُ عِلَّةً حُكْمًا لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ لَا اسْمًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لَهُ شَرْعًا وَلَا مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ فِي الْحُكْمِ لَكِنَّ الشَّيْخَ أَوْرَدَهُ فِي أَقْسَامِ الشَّرْطِ لِكَوْنِهِ شَرْطًا اسْمًا وَمَعْنًى وَذَلِكَ أَيْ الشَّرْطُ الَّذِي سَلِمَ عَنْ مُعَارَضَةِ الْعِلَّةِ وَصَلَحَ عِلَّةً مِثْلُ قَوْلِ عُلَمَائِنَا إلَى آخِرِهِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ يَضْمَنَانِ قِيمَتَهُ لِلْمَوْلَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَضْمَنَانِ لَهُ شَيْئًا وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يَنْفُذُ بِالْحُجَّةِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْقَضَاءِ بِالْحُجَّةِ وَالْحُجَّةُ بَاطِلَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ لِكَوْنِهَا كَذِبًا وَلَكِنَّ الْعَدَالَةَ الظَّاهِرَةَ دَلِيلُ الصِّدْقِ ظَاهِرًا فَاعْتُبِرَتْ حُجَّةً فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ دُونَ تَنْفِيذِ الْقَضَاءِ حَقِيقَةً وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ بَنَى الْقَضَاءَ عَلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَأَمَرَ بِالْعَمَلِ بِهِ فَيَجِبُ صَوْنُ قَضَائِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ وَتَصْحِيحُهُ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ بِإِثْبَاتِ التَّصَرُّفِ الْمَشْهُودِ سَابِقًا عَلَى الْقَضَاءِ فَيَجِبُ إثْبَاتُهُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ صَوْنًا لِلْقَضَاءِ عَنْ الْبُطْلَانِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْحُرِّيَّةِ عِنْدَهُمَا نَافِذًا فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ وَكَانَ الْعِتْقُ وَاقِعًا بِحَلِّ الْقَيْدِ لَا بِالشَّهَادَةِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ وَعِنْدَهُ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْعِتْقِ نَافِذًا فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَالْقَضَاءُ كَانَ بِشَهَادَتِهِمَا وَقَدْ وَجَبَ الْعِتْقُ أَيْ ثَبَتَ بِشَهَادَتِهِمَا قَبْلَ حَلِّ الْقَيْدِ وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِالْبَاطِنِ فَيَضْمَنَانِ قِيمَةَ الْعَبْدِ فَإِنْ قِيلَ قَضَاءُ الْقَاضِي إنَّمَا يَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ بِبُطْلَانِهِ وَبَعْدَ التَّيَقُّنِ لَا يَنْفُذُ كَمَا لَوْ ظَهَرَ أَنَّ الشُّهُودَ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ وَهَاهُنَا تَيَقَّنَّا بِبُطْلَانِ الْحُجَّةِ حِينَ كَانَ وَزْنُ الْقَيْدِ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ فَلَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بَاطِنًا فَيَعْتِقُ الْعَبْدُ بِالْحَلِّ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ قُلْنَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ نُفُوذُ الْقَضَاءِ عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَسْقُطُ مِنْ الْقَاضِي بِعُرْفِ مَا لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى مَعْرِفَتِهِ وَهُوَ حَقِيقَةُ صِدْقِ الشُّهُودِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْوُقُوفُ عَلَى مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِهِمْ وَرِقِّهِمْ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُقُوفُ هَاهُنَا عَلَى حَقِيقَةِ وَزْنِ الْقَيْدِ إذْ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْحَلِّ وَأَدْخَلَهُ عِتْقُ الْعَبْدِ فَسَقَطَ عَنْهُ حَقِيقَةُ مَعْرِفَةِ وَزْنِ الْقَيْدِ وَنَفَذَ قَضَاؤُهُ بِالْعِتْقِ بِشَهَادَتِهِمَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُهُ (وَهَذَانِ الشَّاهِدَانِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ بِشَهَادَتِهِمَا وَجَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ سَلَّمْنَا أَنَّ الْقَضَاءَ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إلَّا أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ أَثْبَتَا شَرْطَ الْعِتْقِ وَهُوَ كَوْنُ الْقَيْدِ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ لَا عِلَّةَ الْعِتْقِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى شُهُودِ الشَّرْطِ فَقَالَ إنَّهُمَا ضَمِنَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ عِلَّةَ الْعِتْقِ لَا يَصْلُحُ لِضَمَانِ الْعِتْقِ لِزَوَالِ صِفَةِ التَّعَدِّي عَنْهَا؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ وَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ كَمَا إذَا بَاعَ مَالَ نَفْسِهِ أَوْ أَكَلَ طَعَامَ نَفْسِهِ فَجَعَلَ الشَّرْطَ عِلَّةً لِخُلُوِّهِ عَنْ مُعَارَضَةِ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً كَمَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ.
وَفِي مَسْأَلَةِ رُجُوعِ الْفَرِيقَيْنِ أَيْ رُجُوعِ شُهُودِ الشَّرْطِ وَشُهُودِ الْيَمِينِ إيجَابُ كَلِمَةِ الْعِتْقِ أَيْ إثْبَاتُهَا وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ يَصْلُحُ عِلَّةً لِضَمَانِ الْعُدْوَانِ؛ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي لِظُهُورِ كَوْنِهَا كَذِبًا بِالرُّجُوعِ فَلَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ عِلَّةً أَيْ فِي حُكْمِ الْعِلَّةِ

الصفحة 208