كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَفِي مَسْأَلَةِ رُجُوعِ الْفَرِيقَيْنِ إيجَابُ كَلِمَةِ الْعِتْقِ يَصْلُحُ لِضَمَانِ الْعُدْوَانِ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي فَلَمْ يُجْعَلْ الشَّرْطُ عِلَّةً وَإِذَا رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ يَجِبُ أَنْ يَضْمَنُوا لِمَا قُلْنَا فَأَمَّا شُهُودُ الْإِحْصَانِ إذَا رَجَعُوا فَلَا يَضْمَنُونَ بِحَالٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْإِحْصَانَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبٌ وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُونَ وَجُوِّدَ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ حَفْرُ الْبِئْرِ هُوَ شَرْطٌ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الثِّقَلَ عِلَّةُ السُّقُوطِ وَالْمَشْيَ سَبَبٌ مَحْضٌ لَكِنَّ الْأَرْضَ كَانَتْ مُمْسِكَةً مَانِعَةً عَمَلَ الثِّقَلِ فَيَكُونُ حَفْرُ الْبِئْرِ إزَالَةً لِلْمَانِعِ وَكَذَلِكَ شَقُّ الزِّقِّ شَرْطٌ لِلسَّيَلَانِ لِأَنَّ الزِّقَّ كَانَ مَانِعًا وَكَذَلِكَ الْقِنْدِيلُ الثَّقِيلُ ثِقَلُهُ عِلَّةٌ لِلسُّقُوطِ وَإِنَّمَا الْحَبْلُ مَانِعٌ فَإِذَا قُطِعَ الْحَبْلُ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ فَعَمَلُ الثَّقِيلِ عَمَلُهُ فَثَبَتَ أَنَّهُ شَرْطٌ لَكِنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ بِصَالِحَةٍ لِلْحُكْمِ لِأَنَّ الثِّقَلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمُعَارَضَتِهِ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً بِنَفْسِهِ وَإِذَا رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ وَثَبَتَ شُهُودُ الْيَمِينِ عَلَى شَهَادَتِهِمْ يَجِبُ أَنْ يَضْمَنُوا لِمَا قُلْنَا إنَّ الْعِلَّةَ وَهِيَ يَمِينُ الزَّوْجِ أَوْ الْمَوْلَى لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِلضَّمَانِ لِخُلُوِّهِمَا عَنْ وَصْفِ التَّعَدِّي إذْ شُهُودُ الْيَمِينِ ثَابِتُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ فَيَجِبُ إضَافَتُهُ إلَى الشَّرْطِ لِظُهُورِ صِفَةِ التَّعَدِّي فِيهِ بِرُجُوعِ شُهُودِهِ عَنْ شَهَادَتِهِمْ فَلِذَلِكَ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا قَالَ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ فِيهِ رِوَايَةٌ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ شُهُودَ الشَّرْطِ لَا يَضْمَنُونَ شَيْئًا سَوَاءٌ رَجَعَ الْفَرِيقَانِ أَوْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ خَاصَّةً وَهَكَذَا ذَكَرَ أَبُو الْيُسْرِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَيْضًا فَقَالَ وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ لَا يَضْمَنُونَ هَكَذَا نَصَّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَذَكَرَ فِي الطَّرِيقَةِ الْبَرْغَرِيَّةِ وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ عِنْدَ زُفَرَ يَضْمَنُونَ وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ لَا يَضْمَنُونَ نَصَّ عَلَى هَذَا فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ قُلْت وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعِلَّةَ وَإِنْ خَلَتْ عَنْ صِفَةِ التَّعَدِّي وَلَمْ تَصْلُحْ لِإِيجَابِ الضَّمَانِ فَهِيَ صَالِحَةٌ لَقَطَعَ الْحُكْمِ عَنْ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهَا فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ كَمَا فِي فَتْحِ بَابِ الْقَفَصِ وَالْإِصْطَبْلِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَكَمَا فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ عَلَى صَيْدٍ مَمْلُوكٍ حَتَّى قَتَلَهُ أَوْ عَلَى رَجُلٍ حَتَّى مَزَّقَ ثِيَابَهُ.
بِخِلَافِ حَفْرِ الْبِئْرِ وَأَمْثَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هُنَاكَ طَبْعٌ لَا اخْتِيَارَ فِيهِ لِأَحَدٍ فَلَا يَصْلُحُ لِإِيجَابِ الضَّمَانِ وَلَا لِقَطْعِ الْحُكْمِ عَنْ الشَّرْطِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَنْ اخْتَارَ هَذَا الْوَجْهَ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى الشَّرْطِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّ الْعِلَّةَ فِيهَا وَهِيَ يَمِينُ الْمَوْلَى اخْتِيَارِيَّةٌ ثُمَّ لَمْ يَقْطَعْ ذَلِكَ إضَافَةُ الْحُكْمِ عَنْ شَاهِدَيْ الشَّرْطِ
؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ هُمَا فِي الصُّورَةِ شَاهِدُ الشَّرْطِ وَلَكِنَّهُمَا مُثْبِتَانِ عِلَّةَ الْعِتْقِ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا أَنَّ الْمَوْلَى عَلَّقَ الْعِتْقَ بِشَرْطٍ مَوْجُودٍ وَالتَّعْلِيقُ بِشَرْطٍ مَوْجُودٍ يَكُونُ تَنْجِيزًا حَتَّى يَمْلِكَهُ الْوَكِيلُ بِالتَّنْجِيزِ فَكَأَنَّهُمَا شَهِدَا تَنْجِيزَ الْعِتْقِ فَضَمِنَا لِإِثْبَاتِهِمَا عِلَّةَ الْعِتْقِ فِي التَّحْقِيقِ وَإِنْ شَهِدَا بِالشَّرْطِ صُورَةً قَالَ أَبُو الْيُسْرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّهُمَا أَثْبَتَا وَزْنَ الْقَيْدِ وَوَزْنُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْعِتْقِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الشَّيْءِ مَا لَا يُوجَدُ إلَّا بِوُجُودِهِ وَيَكُونُ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَوَزْنُ الْقَيْدِ مَوْجُودٌ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا بَلْ هُوَ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ كَمَا بَيَّنَّا.

قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ) وَهُوَ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً بِانْفِرَادِهِ صَلَحَ عِلَّةً وَأُضِيفَ الْحُكْمُ إلَيْهِ حَفْرُ الْبِئْرِ فَإِنَّهُ شَرْطُ التَّلَفِ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الثِّقَلَ عِلَّةُ السُّقُوطِ فِي الْبِئْرِ وَالْمَشْيَ سَبَبٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّهُ مُفْضٍ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِعِلَّةٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نَامَ فِي مَوْضِعٍ فَحُفِرَ تَحْتَهُ أَوْ نَامَ عَلَى سَقْفٍ فَقُطِعَ مَا حَوْلَهُ أَوْ كَانَ عَلَى غُصْنٍ فَقُطِعَ الْغُصْنُ يَحْصُلُ الْوُقُوعُ بِدُونِ الْمَشْيِ فَعُلِمَ أَنَّهُ سَبَبٌ وَلَيْسَ بِعِلَّةٍ
لَكِنَّ الْأَرْضَ كَانَتْ مُمْسِكَةً مَانِعَةً عَمَلَ الثِّقَلِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَانَتْ مُسْكَةً وَهِيَ مَا يُتَمَسَّكُ بِهِ فَيَكُونُ حَفْرُ الْبِئْرِ إزَالَةً لِلْمَانِعِ وَإِيجَادُ الشَّرْطِ السُّقُوطَ كَدُخُولِ الدَّارِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَكَذَلِكَ أَيْ وَكَحَفْرِ الْبِئْرِ شَقُّ الزِّقِّ الَّذِي فِيهِ مَائِعٌ شَرْطٌ لَلسَّيَلَانِ؛ لِأَنَّ الزِّقَّ كَانَ مَانِعًا لِمَا فِيهِ مِنْ السَّيَلَانِ فَكَانَ شَقُّهُ إزَالَةً لِلْمَانِعِ فَكَانَ شَرْطًا أَيْضًا وَكَذَلِكَ الْقِنْدِيلُ الْمُعَلَّقُ ثِقَلُهُ عِلَّةٌ لِلسُّقُوطِ وَقَطْعُ الْحَبْلِ إزَالَةُ الْمَانِعِ أَيْضًا فَكَانَ شَرْطًا أَيْضًا
وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ الْحُكْمُ إلَى الْعِلَّةِ لَا إلَى الشَّرْطِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَكِنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ بِصَالِحَةٍ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الثِّقَلَ طَبْعٌ ثَابِتٌ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَعَدِّي فِيهِ فَلَا يَصْلُحُ لِإِضَافَةِ

الصفحة 209