كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

طَبْعٌ لَا تَعَدِّي فِيهِ وَالْمَشْيُ مُبَاحٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَلَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُجْعَلَ عِلَّةً بِوَاسِطَةِ الثِّقَلِ وَإِذَا لَمْ يُعَارِضْ الشَّرْطُ مَا هُوَ عِلَّةٌ وَالشَّرْطُ شُبِّهَ بِالْعِلَلِ لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ الْوُجُودِ أُقِيمَ مَقَامَ الْعِلَّةِ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ وَالْأَمْوَالِ جَمِيعًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQضَمَانِ الْعُدْوَانِ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِأَمْرٍ اخْتِيَارِيٍّ أَيْضًا كَطَيَرَانِ الطَّيْرِ فِي فَتْحِ بَابِ الْقَفَصِ لِيَنْقَطِعَ بِهِ نِسْبَةُ الْحُكْمِ إلَى غَيْرِهِ وَالْمَشْيُ مُبَاحٌ بِلَا شُبْهَةٍ.
يَعْنِي كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ الْحُكْمُ إلَى الْمَشْيِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ بَعْدَ تَعَذُّرِ إضَافَتِهِ إلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْعِلَّةِ مِنْ الشَّرْطِ إلَّا أَنَّ الْمَشْيَ مُبَاحٌ بِلَا شُبْهَةٍ فَلَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُجْعَلَ عِلَّةً بِوَاسِطَةِ النَّقْلِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ ضَمَانُ جِنَايَةٍ وَضَمَانُ الْجِنَايَةِ لَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ بِدُونِ الْجِنَايَةِ فَتَعَذَّرَ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ وُجِدَ صِفَةُ التَّعَدِّي فِيهِ بِأَنْ تَعَمَّدَ الْمُرُورَ عَلَى الْبِئْرِ فَوَقَعَ فِيهَا وَهَلَكَ يُنْسَبُ التَّلَفُ إلَيْهِ دُونَ الْحَافِرِ وَصَارَ كَأَنَّهُ أَتْلَفَ نَفْسَهُ وَكَذَلِكَ ثِقَلُ الْقِنْدِيلِ وَسَيَلَانُ الْمَائِعِ أَمْرَانِ طَبِيعِيَّانِ ثَابِتَانِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَصْلُحُ إضَافَةُ الضَّمَانِ إلَيْهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا فَيُقَامُ الشَّرْطُ الْمَوْصُوفُ بِالتَّعَدِّي وَهُوَ حَفْرُ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ وَشَقُّ الزِّقِّ وَقَطْعُ الْحَبْلِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مَقَامَ الْعِلَّةِ فِي إضَافَةِ الضَّمَانِ إلَيْهِ خَلْفًا عَنْ الْعِلَّةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا لِشَبَهِهِ بِالْعِلَّةِ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ الْوُجُودِ بِهِ وَشَبَهُ الْعِلَّةِ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا غَيْرُ مُوجِبَةٍ بِذَاتِهَا إلَى آخِرِ مَا قَرَّرَنَا.
وَقَوْلُهُ: أُقِيمَ مَقَامَ الْعِلَّةِ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ يَعْنِي فِيمَا إذَا تَلِفَ فِي الْبِئْرِ إنْسَانٌ وَالْأَمْوَالُ يَعْنِي فِيمَا إذَا وَقَعَ فِيهَا شَيْءٌ آخَرُ وَفِي شَقِّ الزِّقِّ وَقَطْعِ الْحَبْلِ وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْمَشْيُ مُبَاحٌ احْتِرَازٌ عَنْ الْمَشْيِ الْمَوْصُوفِ بِالتَّعَدِّي كَمَا إذَا حَفَرَ بِئْرًا فِي أَرْضِ نَفْسِهِ فَعَطِبَ فِيهَا إنْسَانٌ فَإِنَّ التَّلَفَ يُضَافُ إلَى الْمَشْيِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لَا إلَى الْحَفْرِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ حَتَّى لَا يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ لَيْسَ بِمُبَاحٍ بَلْ هُوَ مَوْصُوفٌ بِالتَّعَدِّي فَيَصْلُحُ عِلَّةً فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِوَاسِطَةِ الثِّقَلِ.
قُلْت وَهَذَا لَا يَصْلُحُ احْتِرَازًا عَنْهُ؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الْحُكْمِ إلَى الْمَشْيِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَيْسَتْ بِاعْتِبَارِ وُجُودِ صِفَةِ التَّعَدِّي فِيهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ زَوَالِ صِفَةِ التَّعَدِّي عَنْ الْحَفْرِ وَعَدَمِ صَلَاحِيَتِهِ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ صِفَةَ التَّعَدِّي لَوْ لَمْ تَثْبُتْ فِي الْمَشْيِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنْ كَانَ مَأْذُونًا بِالْمُرُورِ وَالدُّخُولِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَانَ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَيْهِ أَيْضًا إلَى الْحَفْرِ حَتَّى كَانَ دَمُهُ هَدَرًا كَمَا إذَا كَانَ الْمَشْيُ مَوْصُوفًا بِالتَّعَدِّي وَإِنَّمَا يَصْلُحُ احْتِرَازًا عَنْ الْمَشْيِ الْمَوْصُوفِ بِالتَّعَدِّي إذَا وُجِدَ صِفَةُ التَّعَدِّي فِي الْحَفْرِ أَيْضًا وَمَعَ ذَلِكَ يُضَافُ إلَى الْمَشْيِ كَمَا إذَا حَفَرَ بِئْرًا فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَمَشَى فِيهَا إنْسَانٌ لِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ وَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ وَهَلَكَ فَهَاهُنَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَفْرِ وَالْمَشْيِ مَوْصُوفٌ بِالتَّعَدِّي فَلَوْ كَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى الْمَشْيِ دُونَ الْحَفْرِ حَتَّى كَانَ دَمُهُ هَدَرًا وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْحَافِرِ ضَمَانٌ لَصَلَحَ قَوْلُهُ وَالْمَشْيُ مُبَاحٌ احْتِرَازًا عَنْهُ لَكِنْ لَوْ كَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى الْحَفْرِ وَوَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ وَالْمَشْيُ مُبَاحٌ احْتِرَازًا عَنْ الْمَشْيِ الْمَوْصُوفِ بِالتَّعَدِّي وَمَا ظَفِرْت بِرِوَايَةٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَإِذَا احْتَفَرَ الرَّجُلُ بِئْرًا فِي دَارٍ لَا يَمْلِكُهَا بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا وَقَعَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ كَمَا هُوَ مُتَعَدٍّ بِالْحَفْرِ فِي الطَّرِيقِ فَإِطْلَاقُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْحَافِرِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَشْيُ تَعَدِّيًا أَوْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى هَذَا لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ وَالْمَشْيُ مُبَاحٌ احْتِرَازًا عَنْ شَيْءٍ بَلْ كَانَ زِيَادَةَ تَقْرِيرٍ وَبَيَانًا لِصَلَاحِيَةِ الشَّرْطِ لِلْعِلِّيَّةِ.
وَذُكِرَ فِي التَّهْذِيبِ وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَهَلَكَ بِهِ شَيْءٌ لِمَالِكِ الدَّارِ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ وَلَوْ دَخَلَهُ رَجُلٌ فَهَلَكَ بِهِ نُظِرَ

الصفحة 210