كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى حَافِرِ الْبِئْرِ كَفَّارَةٌ وَلَمْ يُحْرَمْ الْمِيرَاثَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُبَاشَرَةٍ فَلَا يَلْزَمُهُ جَزَاؤُهَا وَأَمَّا، وَضْعُ الْحَجَرِ، وَإِشْرَاعُ الْجَنَاحِ، وَالْحَائِطُ الْمَائِلُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ فَمِنْ قِسْمِ الْأَسْبَابِ الَّتِي جُعِلَتْ عِلَلًا فِي الْحُكْمِ عَلَى مَا مَرَّ لَا مِنْ هَذَا الْقِسْمِ.

وَعَلَى هَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ فَفِي وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْحَافِرِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَجِبُ لِتَعَدِّيهِ بِالْحَفْرِ وَالثَّانِي لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ مُتَعَدِّيًا بِالدُّخُولِ وَإِنْ دَخَلَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَإِنْ أَعْلَمَهُ الْمَالِكُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ فَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَالْمَشْيُ مُبَاحٌ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْخِلَافِ فَإِنَّ عِنْدَ إبَاحَةِ الْمَشْيِ مُتَقَرِّرٌ عَلَى الْحَافِرِ بِالِاتِّفَاقِ.
قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَنَّ الْحَفْرَ شَرْطٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَيْسَ بِمُبَاشَرَةٍ لِلْإِتْلَافِ لَا يَجِبُ عَلَى حَافِرِ الْبِئْرِ كَفَّارَةٌ وَلَمْ يُحْرَمْ مِنْ الْمِيرَاثِ بِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ وَيُحْرَمُ؛ لِأَنَّ الْحَفْرَ لَمَّا جُعِلَ كَالْمُبَاشَرَةِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ يُجْعَلُ كَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْكَفَّارَةِ وَحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ وَنَحْنُ نَقُولُ هُمَا جَزَاءُ مُبَاشَرَةِ قَتْلٍ مَحْظُورٍ وَلَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ إنَّمَا تَحْصُلُ بِاتِّصَالِ الْفِعْلِ بِالْمَقْتُولِ وَقَدْ عَدِمَ ذَلِكَ فِي الْحَفْرِ بَلْ الْمُتَّصِلُ بِهِ أَثَرُ مَا حَصَلَ بِفِعْلِهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بِهِ مُبَاشِرًا أَوْ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ قَاتِلًا بِالْحَفْرِ وَقَدْ يَكُونُ الْحَافِرُ مَيِّتًا عِنْدَ وُقُوعِ الْوَاقِعِ فِي الْبِئْرِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُبَاشَرَةً لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جَزَاءُ الْمُبَاشَرَةِ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ.
وَأَمَّا وَضْعُ الْحَجَرِ فِي الطَّرِيقِ وَإِشْرَاعُ الْجَنَاحِ أَيْ إخْرَاجُهُ إلَى الشَّارِعِ وَالْحَائِطُ الْمَائِلُ إلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ أَيْ بَعْدَ التَّقَدُّمِ إلَى صَاحِبِهِ فِي الْهَدْمِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ فَمِنْ قِسْمِ الْأَسْبَابِ الَّتِي جُعِلَتْ عِلَلًا فِي الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ الْحَفْرِ فِي الْحُكْمِ حَتَّى وَجَبَ بِهَا ضَمَانُ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَلَا يَجِبُ بِهَا كَفَّارَةٌ وَلَا يُحْرَمُ بِهَا مِنْ الْمِيرَاثِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْعُقُوبَاتِ الْقَاصِرَةِ لَا مِنْ هَذَا الْقِسْمِ أَيْ مِنْ الشَّرْطِ الَّذِي لَهُ حُكْمُ الْعِلَلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ إزَالَةً لِلْمَانِعِ بَلْ هِيَ طُرُقٌ مُفْضِيَةٌ إلَى التَّلَفِ فَكَانَتْ أَسْبَابًا أَخَذَتْ حُكْمَ الْعِلَلِ بِخِلَافِ الْحَفْرِ فَإِنَّهُ إزَالَةٌ لِلْمَانِعِ فَكَانَ شَرْطًا لَهُ حُكْمُ الْعِلَلِ
وَالْإِشْهَادُ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِصَيْرُورَتِهِ فِي حُكْمِ الْعِلَّةِ بَلْ الشَّرْطُ هُوَ التَّقَدُّمُ إلَى صَاحِبِهِ فِي الْهَدْمِ وَالْإِشْهَادُ لِلِاحْتِيَاطِ حَتَّى إذَا جَحَدَ صَاحِبُ الْحَائِطِ التَّقَدُّمَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ بِمَنْزِلَةِ الشَّفِيعِ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حَقِّهِ طَلَبُ الشُّفْعَةِ وَلَكِنْ يُؤْمَرُ بِالْإِشْهَادِ عَلَى ذَلِكَ احْتِيَاطًا.

قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ) وَهُوَ أَنَّ الشَّرْطَ يُقَامُ مَقَامَ الْعِلَّةِ فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إضَافَتِهِ إلَى الْعِلَّةِ قُلْنَا فِي الْغَاصِبِ إذَا بَذَرَ حِنْطَةَ غَيْرِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْغَيْرِ الْأَوَّلِ أَيْ فِي أَرْضِ غَيْرِ صَاحِبِ الْحِنْطَةِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى الْغَاصِبِ كَالضَّمِيرِ الْأَوَّلِ أَنَّ الزَّرْعَ لِلْغَاصِبِ عِنْدَنَا وَعَلَيْهِ ضَمَانُ الْحِنْطَةِ وَلَا سَبِيلَ لِلْمَالِكِ عَلَى الزَّرْعِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الزَّرْعُ لِمَالِكِ الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَ بِغَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ بِأَنْ هَبَّتْ الرِّيحُ بِالْحِنْطَةِ وَأَلْقَتْهَا فِي أَرْضٍ فَنَبَتَتْ؛ كَانَ الْخَارِجُ لِصَاحِبِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ أَصْلِهِ كَوَلَدِ الْجَارِيَةِ وَثَمَرِ الشَّجَرَةِ فَكَذَلِكَ إذَا حَصَلَ بِصُنْعِ صَانِعٍ؛ لِأَنَّ التَّوَلُّدَ مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ لَا مِنْ الصُّنْعِ فَإِنَّ الصُّنْعَ حَرَكَاتٌ لَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا أَجْسَامٌ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَصْلَحَ أَشْجَارَ رَجُلٍ وَسَقَاهَا حَتَّى أَثْمَرَتْ وَنَحْنُ نَقُولُ الزَّرْعُ غَيْرُ الْحِنْطَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَأَنَّهُ أَمْرٌ حَادِثٌ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ حَادِثًا بِأَصْلِ الْحِنْطَةِ أَوْ بِقُوَّةِ الْأَرْضِ وَالْهَوَاءِ وَالْمَاءِ أَوْ بِعَمَلِ الزَّارِعِ.
وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ لَا تَكُونُ عِلَّةً لِبَقَائِهَا كَذَلِكَ حِنْطَةً فَكَيْفَ تَكُونُ عِلَّةً لِلْهَلَاكِ وَصَيْرُورَتُهَا شَيْئًا آخَرَ وَقُوَّةُ الْأَرْضِ وَالْهَوَاءِ وَالْمَاءِ وَإِنْ صَلَحَتْ عِلَّةً لِحُدُوثِ الزَّرْعِ لِكَوْنِهَا مُؤَثِّرَةً

الصفحة 211