كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَلِهَذَا قُلْنَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِيمَنْ أَشْلَى كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ مَمْلُوكٍ فَقَتَلَهُ أَوْ عَلَى نَفْسٍ فَقَتَلَهَا أَوْ مَزَّقَ ثِيَابَ رَجُلٍ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ صَاحِبُ سَبَبٍ وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِعْلُ مُخْتَارٍ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ لِأَنَّ الْكَلْبَ يَعْمَلُ بِطَبْعِهِ وَلَيْسَ الَّذِي أَشْلَاهُ بِسَائِقٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَشْلَى عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ أَنَّ صَاحِبَهُ جُعِلَ كَأَنَّهُ ذَبَحَهُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الِاصْطِيَادَ مِنْ الْمَكَاسِبِ فِي الْجُمْلَةِ فَبُنِيَ عَلَى نَفْيِ الْحَرَجِ وَقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَوَجَبَ الْمَصِيرُ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ إلَى مَحْضِ الْقِيَاسِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا ذَكَرَهُ الْخَصْمُ قَرِيبٌ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ فَقَدْ أَلْحَقَ الْعَادَةَ وَإِنْ كَانَ عَنْ اخْتِيَارٍ بِالطَّبْعِيَّةِ الَّتِي لَا اخْتِيَارَ فِيهَا صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ وَإِهْدَارًا لِاخْتِيَارِ مَا لَا عَقْلَ لَهُ حُكْمًا فَإِنَّهُ جُبَارٌ لَا حُكْمَ لَهُ وَكَذَلِكَ جَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ طَبِيعَةِ الدَّابَّةِ أَنَّهَا لَا تَصْبِرُ عَنْ أَكْلِ الزَّرْعِ إلَّا بِحِفْظٍ فَلَمَّا كَانَ الْحِفْظُ عَلَيْهِ لَيْلًا جُعِلَ تَرْكُ الْحِفْظِ بِمَنْزِلَةِ التَّسْلِيطِ وَالْإِرْسَالِ قُلْت فَعَلَى هَذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَتَرَجَّحُ الْقِيَاسُ فِيهَا عَلَى الِاسْتِحْسَانِ.

قَوْلُهُ (وَلِذَلِكَ قُلْنَا) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ بَيَانِ الْقِسْمِ الثَّانِي وَمَتَى عَارَضَهُ عِلَّةٌ لَمْ يَصْلُحْ عِلَّةً أَيْ وَلَمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحُكْمَ لَا يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ عِنْدَ مُعَارَضَتِهِ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً قُلْنَا كَذَا. أَوْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْإِلْقَاءَ هُوَ الْعِلَّةُ وَقَدْ صَلَحَ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ أَيْ وَلِكَوْنِ الْإِلْقَاءِ صَالِحًا لِلْعِلِّيَّةِ قُلْنَا كَذَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْحَافِرِ اسْتِحْسَانًا وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوْلَى وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ قَدْ وَجَبَ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ فَهُوَ بِدَعْوَى إلْقَاءِ النَّفْسِ يُرِيدُ إسْقَاطَ ذَلِكَ الضَّمَانِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلْوَلِيِّ إذْ الْإِنْسَانُ لَا يُلْقِي نَفْسَهُ فِي الْبِئْرِ عَمْدًا فِي الْعَادَةِ فَعِنْدَ الْمُنَازَعَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ
إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا فِي قَبُولِ قَوْلِ الْحَافِرِ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ وَالْوَلِيُّ يَحْتَاجُ إلَى اسْتِحْقَاقِ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ فَلَا يَكْفِيهِ التَّمَسُّكُ بِالظَّاهِرِ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ فِيهَا بِغَيْرِ تَعَمُّدٍ مِنْهُ مَعَ أَنَّ هَذَا الظَّاهِرَ يُعَارِضُهُ ظَاهِرٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْبَصِيرَ يَرَى الْبِئْرَ أَمَامَهُ فِي مَمْشَاهُ فَلَا يَقَعُ فِيهَا إلَّا بِالْإِلْقَاءِ قَصْدًا فَتَقَابَلَ الظَّاهِرَانِ وَبَقِيَ الِاحْتِمَالُ فِي سَبَبِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فَلَا نُوجِبُهُ بِالشَّكِّ وَجَحَدَ حُكْمًا ضَرُورِيًّا وَهُوَ خَلِيفَتُهُ الشَّرْطُ عَنْ الْعِلَّةِ وَفِيهِ إنْكَارُ سَبَبِ الضَّمَانِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَيْ الْجَارِحَ صَاحِبُ عِلَّةٍ فَإِنَّ الْجَرْحَ عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ لِلضَّمَانِ فَعِنْدَ وُجُودِ الْعِلَّةِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ الْعَارِضُ الْمُسْقِطُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَلِيِّ لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ.
قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ. وَلَمَّا قُلْنَا إنَّ اعْتِرَاضَ عِلَّةٍ صَالِحَةٍ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا يُوجِبُ قَطْعَ نِسْبَةِ الْحُكْمِ عَنْ الشَّرْطِ وَالسَّبَبِ قُلْنَا فِيمَنْ أَشْلَى كَلْبًا أَيْ أَغْرَاهُ وَأَرْسَلَهُ فَقَدْ وُضِعَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي الْإِرْسَالِ فَقِيلَ إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ إرْسَالًا وَلَمْ يَكُنْ سَائِقًا لَهُ فَأَصَابَ فِي فَوْرِهِ يَعْنِي صَيْدًا مَمْلُوكًا لَمْ يَضْمَنْ يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ الْكَلْبُ مُعَلَّمًا أَوْ غَيْرَ مُعَلَّمٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ مُعَلَّمًا حَلَّ أَكْلُهُ وَإِلَّا فَلَا وَكَذَلِكَ رَجُلٌ أَشْلَى كَلْبَهُ عَلَى رَجُلٍ حَتَّى عَقَرَهُ أَوْ مَزَّقَ ثِيَابَهُ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا أَنْ يَسُوقَهُ
وَلَيْسَ الَّذِي أَشْلَاهُ بِسَائِقٍ يَعْنِي أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْإِشْلَاءِ وَالْإِرْسَالِ لَا يَصِيرُ سَائِقًا لِيُنْسَبَ الْفِعْلُ إلَيْهِ بِحُكْمِ السَّوْقِ فَبَقِيَ الْكَلْبُ عَامِلًا بِطَبْعِهِ وَاخْتِيَارِهِ وَعَمَلُ الْبَهِيمَةِ هَدَرٌ حَتَّى لَوْ كَانَ سَائِقًا لَهُ بِأَنْ كَانَ يَعْدُو خَلْفَهُ وَيُشْلِيهِ ضَمِنَ مَا أَتْلَفَهُ الْكَلْبُ مِنْ النَّفْسِ وَالثِّيَابِ وَالصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَرْسَلَ بَازِيًا عَلَى صَيْدٍ مَمْلُوكٍ وَسَاقَهُ فَأَتْلَفَهُ الْبَازِي حَيْثُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْبَازِيَ لَا يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَهَدَرَ سَوْقُهُ وَبَقِيَ الْفِعْلُ مُنْقَطِعًا عَنْ الْمُرْسِلِ فَأَمَّا الْكَلْبُ فَيَحْتَمِلُهُ كَسَائِرِ الدَّوَابِّ فَيُعْتَبَرُ سَوْقُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَوْجَبَ الضَّمَانَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُ الْكَلْبِ سَائِقًا لَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَجَعَلَ الْإِرْسَالَ بِمَنْزِلَةِ السَّوْقِ وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْكَلْبَ إنْ

الصفحة 216