كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ خُصُوصًا عَلَى الْأَبِ النَّبِيِّ كَذَا قِيلَ.
وَاعْتَرَضَ الْغَزَالِيُّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ كَيْفَ يَصِحُّ أَنَّهُمَا حَكَمَا بِالِاجْتِهَادِ، وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَمْنَعُ اجْتِهَادَ الْأَنْبِيَاءِ عَقْلًا، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ سَمْعًا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازُوا حَالَ الْخَطَأِ عَلَيْهِمْ فَكَيْفَ يُنْسَبُ الْخَطَأُ إلَى دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَمِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ أَنَّهُ قَالَ مَا قَالَ عَنْ اجْتِهَادٍ. وَالْآيَةُ عَلَى نَقِيضِ مَذْهَبِكُمْ أَدَلُّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ {وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79] وَالْخَطَأُ يَكُونُ ظُلْمًا وَجَهْلًا لَا حُكْمًا وَعِلْمًا، وَمَنْ قَضَى بِخِلَافِ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ حَكَمَ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ الْحُكْمَ وَالْعِلْمَ الَّذِي آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا سِيَّمَا فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّا قَدْ دَلَلْنَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِالِاجْتِهَادِ وَثَبَتَ ذَلِكَ بِالنَّقْلِ أَيْضًا، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الِاجْتِهَادَ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْخَطَأَ عَلَيْهِمْ فِي اجْتِهَادِهِمْ جَائِزَانِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ تَقْرِيرُهُمْ عَلَى الْخَطَأِ. وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79] أَنَّهُ آتَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمًا وَعِلْمًا فِيمَا حَكَمَا بِهِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ إيتَاءَ الْعِلْمِ بِوُجُوهِ الِاجْتِهَادِ وَطُرُقِ الْأَحْكَامِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالْخَطَأُ فِي مَسْأَلَةٍ لَا يَمْنَعُ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ أُوتِيَ حُكْمًا وَعِلْمًا فَلَا نُبْقِي لِلْخَصْمِ حُجَّةً. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ اقْضِ بَيْنَ هَذَيْنِ قَالَ أَقْضِي، وَأَنْتَ حَاضِرٌ قَالَ نَعَمْ قَالَ عَلَى مَاذَا أَقْضِي قَالَ عَلَى أَنَّك إنْ اجْتَهَدْت فَأَصَبْت فَلَكَ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَإِنْ أَخْطَأْت فَلَكَ حَسَنَةٌ» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ» فَفِيهِمَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِي الِاجْتِهَادِ خَطَأً وَصَوَابًا حَيْثُ صَرَّحَ بِذِكْرِ الْخَطَأِ وَبِتَفَاوُتِ الْأَجْرِ، وَفِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِذَا حَاصَرْتُمْ أَهْلَ حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ فَأَرَادُوكُمْ أَنْ تُنْزِلُوهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ» الْحَدِيثَ.
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ، وَفِي هَذَا اللَّفْظِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ فَإِنَّهُ قَالَ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَا حُكْمُ اللَّهِ فِيهِمْ؟ . وَلَوْ كَانَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا لَكَانَ يَعْلَمُ حُكْمَ اللَّهِ بِالِاجْتِهَادِ لَا مَحَالَةَ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ «، وَلَكِنْ أَنْزِلُوهُمْ عَلَى حُكْمٍ ثُمَّ اُحْكُمُوا فِيهِمْ بِمَا رَأَيْتُمْ» ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُجْتَهِدُ مُصِيبًا لِلْحَقِّ لَمَا أَمَرَ بِإِنْزَالِهِمْ عَلَى حُكْمِنَا فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَأْمُرُ بِالْإِنْزَالِ عَلَى الْخَطَأِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَأْمُرُ بِالْإِنْزَالِ عَلَى الصَّوَابِ.
قُلْنَا: نَحْنُ لَا نَقُولُ الْمُجْتَهِدُ يَكُونُ مُخْطِئًا لَا مَحَالَةَ، وَلَكِنَّهُ عَلَى رَجَاءٍ مِنْ الْإِصَابَةِ، وَهُوَ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ فَلِهَذَا أُمِرْنَا بِالْإِنْزَالِ عَلَى ذَلِكَ لَا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُصِيبًا بِالِاجْتِهَادِ لَا مَحَالَةَ، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ شُبْهَةُ الْخِلَافِ إذَا أُنْزِلُوا عَلَى حُكْمِنَا وَحَكَمْنَا فِيهِمْ بِمَا رَأَيْنَا وَيَتَمَكَّنُ إذَا أُنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ. وَالدَّلِيلُ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْخَطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ كَثُرَ أَوْ شَاعَ وَتَكَرَّرَ، وَلَمْ يُنْكِرْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي التَّخْطِئَةِ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ لَيْسَ إلَّا وَاحِدٌ فَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُمْ خَطَّئُوا ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي تَرْكِ الْقَوْلِ بِالْعَوْلِ وَخَطَّأَهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْقَوْلِ بِهِ، وَقَالَ مَنْ بَاهَلَنِي بَاهَلْته إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ، وَفِي رِوَايَةٍ إنَّ الَّذِي أَحْصَى رَمْلَ عَالِجٍ عَدَدًا لَمْ يَجْعَلْ فِي مَالٍ وَاحِدٍ نِصْفَيْنِ وَثَلَاثًا. وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ أَقُولُ فِي الْكَلَالَةِ بِرَأْيِي فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي، وَمِنْ الشَّيْطَانِ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْهُ بَرِيئَانِ وَعَنْ عُمَرَ

الصفحة 22