كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

فَمَا لَيْسَ بِمُتَعَدِّدٍ لَا يَتَعَدَّى مُتَعَدِّدًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ تَغْيِيرًا حِينَئِذٍ فَيُوجِبُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مُتَعَدِّدًا بِالنَّصِّ بِعَيْنِهِ، وَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ أَلَا تَرَى لَوْ تَوَهَّمْنَا غَيْرَ مَعْلُومٍ لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ مُتَعَدِّدًا وَذَلِكَ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ صِيغَتُهُ بِيَقِينٍ فَلَا يَتَعَدَّدُ بِالتَّعْلِيلِ، وَفِيهِ تَغْيِيرٌ وَيَصِيرُ الْفَرْعُ بِهِ مُخَالِفًا لِلْأَصْلِ.
وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِنَفْسِ الْحُكْمِ فَهُوَ أَنَّ الْفِطْرَ وَالصَّوْمَ، وَفَسَادَ الصَّلَاةِ وَصِحَّتَهَا، وَفَسَادَ النِّكَاحِ وَصِحَّتَهُ وَوُجُودَ الشَّيْءِ وَعَدَمَهُ، وَقِيَامَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ تَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُ، وَلَا يَصْلُحُ الْمُسْتَحِيلُ حُكْمًا شَرْعِيًّا
ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ حَكَمَ بِحُكْمٍ فَقَالَ رَجُلٌ هَذَا وَاَللَّهِ الْحَقُّ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ عُمَرَ لَا يَدْرِي أَنَّهُ أَصَابَ الْحَقَّ لَكِنَّهُ لَمْ يَأْلُ جَهْدًا. وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِكَاتِبِهِ اُكْتُبْ هَذَا مَا رَأَى عُمَرُ فَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنْهُ، وَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي اسْتَحْضَرَهَا عُمَرُ فَأُجْهِضَتْ، وَقَدْ قَالَ لَهُ عُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إنَّمَا أَنْتَ مُؤَدَّبٌ لَا نَرَى عَلَيْك شَيْئًا فَقَالَ عَلِيٌّ إنْ كَانَا قَدْ اجْتَهَدَا فَقَدْ أَخْطَأَ، وَإِنْ لَمْ يَجْتَهِدَا فَقَدْ غَشَّاكِ أَرَى عَلَيْك الدِّيَةَ يَعْنِي الْغُرَّةَ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُفَوَّضَةِ أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي، وَمِنْ الشَّيْطَانِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ أَلَا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يَجْعَلُ ابْنَ الِابْنِ ابْنًا، وَلَا يَجْعَلُ أَبَا الْأَبِ أَبًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوَقَائِعِ.
وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذِهِ الْحُجَّةِ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ التَّخْطِئَةُ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ التَّقْصِيرُ مِنْ الْمُجْتَهِدِ أَوْ فِيمَا خَالَفَ فِيهِ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا وَحِينَئِذٍ لَا يَنْتَهِضُ حُجَّةً. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّخْطِئَةَ، وَقَعَتْ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ الَّتِي لَا نَصَّ، وَلَا إجْمَاعَ فِيهَا، وَلَا تَقْصِيرَ فِي مُجْتَهِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَإِلَّا وَجَبَ التَّأْثِيمُ، وَهُوَ بَاطِلٌ.
1 -
ثُمَّ اسْتَدَلَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى امْتِنَاعِ تَعَدُّدِ الْحُقُوقِ بِنَفْسِ الْحُكْمِ وَسَبَبِهِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ الثَّابِتُ بِالِاجْتِهَادِ. أَمَّا السَّبَبُ فَلِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقِيَاسَ تَعْدِيَةٌ، وُضِعَ لِدَرْكِ الْحُكْمِ فَقَوْلُهُ وُضِعَ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ أَيْ الْقِيَاسُ لِتَعْدِيَةِ حُكْمِ النَّصِّ إلَى مَا لَا نَصَّ فِيهِ، وَإِنَّهُ وُضِعَ مُدْرِكًا لِحُكْمِ النَّصِّ لَا مُثْبِتًا لِلْحُكْمِ ابْتِدَاءً وَلِهَذَا حُدَّ بِأَنَّهُ إبَانَةُ مِثْلِ الْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْفَرْعِ. فَمَا لَيْسَ بِمُتَعَدِّدٍ لَا يَتَعَدَّى مُتَعَدِّدًا يَعْنِي حُكْمَ النَّصِّ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّدًا فِي نَفْسِهِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَعَدَّى مُتَعَدِّدًا؛ لِأَنَّهُ أَيْ التَّعْدِيَةَ بِصِفَةِ التَّعَدُّدِ يَصِيرُ تَغْيِيرًا لِحُكْمِ النَّصِّ إذَا لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ مُتَعَدِّدًا.
فَيُوجِبُ ذَلِكَ أَيْ تَعَدُّدُ الْحَقِّ فِي الْفَرْعِ أَوْ تَعْدِيَةُ الْحُكْمِ مُتَعَدِّدًا أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مُتَعَدِّدًا بِالنَّصِّ بِعَيْنِهِ لِيَثْبُتَ تَعَدُّدُهُ فِي الْفَرْعِ بِالتَّعْدِيَةِ. وَهَذَا أَيْ كَوْنُ الْحَقِّ مُتَعَدِّدًا فِي النَّصِّ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عِنْدَ تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ أَوْ النَّفْيِ وَالْإِيجَابِ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَأَنَّ الْعَمَلَ لَا يَجِبُ بِهِمَا جَمِيعًا بَلْ يَجِبُ الْوَقْفُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ الرُّجْحَانُ لِأَحَدِهِمَا أَوْ يُعْرَفُ التَّارِيخُ فَيَكُونُ الْآخَرُ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ تَعَدُّدُ الْحَقِّ فِي الْأُصُولِ بَطَلَ الْقَوْلُ بِتَعَدُّدِهِ فِي الْفُرُوعِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَيْهَا. ثُمَّ اسْتَوْضَحَ مَا ذَكَرَ أَنَّهُ تَغْيِيرٌ بِقَوْلِهِ أَلَا تَرَى أَنَّا لَوْ تَوَهَّمْنَاهُ أَيْ النَّصَّ. غَيْرُ مَعْلُولٍ أَيْ غَيْرُ مُعَلَّلٍ، وَذَلِكَ أَيْ التَّعَدُّدُ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ غَيْرُ لَازِمٍ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَتَعَدَّى إلَى الْفَرْعِ مِنْ الْأَصْلِ مُتَّحِدًا غَيْرَ مُتَعَدِّدٍ، وَلَكِنَّ التَّعَدُّدَ فِيهِ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الْأَصْلِ فَإِنَّ أَصْلَ كُلِّ مُجْتَهِدٍ فِي الْفَرْعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ غَيْرُ أَصْلِ خَصْمِهِ فَإِنَّ مَنْ جَوَّزَ بَيْعَ الْجِصِّ مُتَفَاضِلًا اعْتَبَرَهُ بِالْمَذْرُوعِ، وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ اعْتَبَرَ بِالْحِنْطَةِ وَالْجَوَازُ وَعَدَمُ الْجَوَازِ فِي الْأَصْلَيْنِ ثَابِتَانِ بِلَا خِلَافٍ وَتَعَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحُكْمَيْنِ إلَى الْفَرْعِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِيرٍ وَتَعَدُّدٍ فِيهِ، وَلَكِنَّ التَّعَدُّدَ حَصَلَ بِتَعَدُّدِ الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَا ذَكَرْتُمْ أَنْ لَوْ اعْتَبَرَ الْفَرْعُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ بِأَصْلٍ وَاحِدٍ بِأَنْ اعْتَبَرَهُ الْمُجَوَّزَ بِالْحِنْطَةِ كَمَا اعْتَبَرَ غَيْرَ الْمُجَوَّزِ بِهَا أَوْ اعْتَبَرَهُ غَيْرَ الْمُجَوَّزِ بِالْمَذْرُوعِ كَمَا اعْتَبَرَهُ الْمُجَوَّزَ بِهِ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا

الصفحة 23