كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَكَذَلِكَ الْوِلَايَةُ شُرِعَتْ لِلْعَجْزِ وَالْحَاجَةِ عَلَى مَنْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَالنَّفْسُ وَالْمَالُ وَالثَّيِّبُ وَالْبِكْرُ فِيهِ سَوَاءٌ فَأَمَّا الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ فَلَيْسَا بِسَوَاءٍ فِي أَنْفُسِهِمَا وَفِي شُرُوطِهِمَا أَيْضًا حَتَّى افْتَرَقَا فِي شَرْطِ الثَّانِيَةِ، وَكَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَيْسَا بِسَوَاءٍ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ زَائِدٌ تَسْقُطُ بِالِاقْتِدَاءِ عِنْدَنَا وَتَسْقُطُ لِخَوْفِ فَوْتِ الرَّكْعَةِ عِنْدَهُ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْأَفْعَالِ لَمْ يَصْلُحْ الذِّكْرُ أَصْلًا بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ، وَكَذَلِكَ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي لَيْسَا بِسَوَاءٍ فِي الْقِرَاءَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَ شَطْرَيْ الْقِرَاءَةِ سَقَطَ عَنْهُ، وَهُوَ السُّورَةُ وَيَسْقُطُ أَحَدُ وَصْفَيْهِ، وَهُوَ الْجَهْرُ فَلَمْ يَجْهَرْ بِحَالٍ فَفَسَدَ الِاسْتِدْلَال.
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا صَارَ سَبَبًا؛ لِأَنَّ النَّاذِرَ عَهِدَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ تَعَالَى فَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ بِقَوْلِهِ: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] فَكَذَا الشَّارِعُ فِي عِبَادَةٍ عَازِمٌ عَلَى إبْقَائِهِ فَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِإِبْقَاءِ مَا أَدَّى بِقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَلَا يُتَصَوَّرُ إبْقَاءُ مَا أَدَّى إلَّا بِانْضِمَامِ سَائِرِ الْأَجْزَاءِ إلَيْهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمُّ صِيَانَةً لِمَا أَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ ثُمَّ إبْطَالُ مَا أَدَّى فَوْقَ تَرْكِ الْأَدَاءِ، وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ تَحْقِيقًا لِلْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ فَلَأَنْ يَلْزَمَ إتْمَامُ مَا أَدَّى وَإِبْقَاؤُهُ عِبَادَةً بَعْدَ الْأَدَاءِ تَحْقِيقًا لِلْوَفَاءِ كَانَ أَحْرَى وَأَوْلَى.
وَكَذَلِكَ الْوِلَايَةُ أَيْ، وَكَمَا أَنَّ النَّذْرَ وَالشُّرُوعَ مُتَسَاوِيَانِ فِي مَعْنَى الْإِيجَابِ الْوِلَايَةُ عَلَى الْمَالِ وَالْوِلَايَةُ عَلَى النَّفْسِ مُتَسَاوِيَتَانِ فِي الثُّبُوتِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ شُرِعَتْ أَيْ ثَبَتَتْ وَوَجَبَتْ لِلْعَجْزِ أَيْ لِعَجْزِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ عَنْ التَّصَرُّفِ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ عَلَى مَنْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجِهِ وَهُوَ الْوَلِيُّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوِلَايَةِ لِحُرٍّ عَلَى حُرٍّ مِثْلِهِ وَثُبُوتُ الْوِلَايَةِ لِلشَّخْصِ عَلَى نَفْسِهِ إذْ الْأَصْلُ رَأْيُهُ لَكِنْ إذَا عُدِمَ رَأْيُهُ بِالصِّغَرِ أَوْ الْجُنُونِ أُقِيمَ رَأْيُ الْغَيْرِ مَقَامَ رَأْيِهِ وَانْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى الْغَيْرِ نَظَرًا لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَلِهَذَا كَانَتْ تَصَرُّفَاتُهُ مُقَيَّدَةً بِشَرْطِ النَّظَرِ فَالْوِلَايَةُ، وَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْوَلِيِّ عَلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ ظَاهِرًا، وَلَكِنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْوَلِيِّ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ مَعْنًى نَظَرًا لَهُ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ لِنَفْسِهِ وَالْمَالِيَّةِ، وَلِهَذَا لَا يَتَمَكَّنُ الْوَلِيُّ مِنْ رَدِّهَا، وَلَوْ امْتَنَعَ عَنْ إقَامَةِ مَصَالِحِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِ يَأْثَمُ.
وَالنَّفْسُ وَالْمَالُ وَالثَّيِّبُ وَالْبِكْرُ فِيهِ أَيْ فِي الْمَعْنَى الَّذِي ثَبَتَتْ بِهِ الْوِلَايَةُ، وَهُوَ الْعَجْزُ وَالْحَاجَةُ سَوَاءٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوِلَايَتَيْنِ حَالَ وُجُودِ الرَّأْيِ عَلَى السَّوَاءِ فَكَذَا تَسْتَوِيَانِ فِي حَالِ عَدَمِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِثُبُوتِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَلَا يُقَالُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ النَّفْسِ وَالْمَالِ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ مُبْتَذَلٌ وَالْمَالُ مُبْتَذَلٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ لِصِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بَلْ الْمَشْرُوطُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي بُنِيَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ، وَقَدْ وُجِدَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ النَّفْسَ وَالْمَالَ فِي الْحَاجَةِ إلَى التَّصَرُّفِ النَّافِعِ الَّتِي بُنِيَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهَا سَوَاءٌ. فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْحَاجَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ مُتَحَقِّقَةٌ فِي الْحَالِ لِلتَّثْمِيرِ كَيْ لَا تَأْكُلَهُ النَّفَقَةُ لَكِنْ الْحَاجَةُ فِي حَقِّ النَّفْسِ مُتَأَخِّرَةٌ إلَى مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَثْبُتَ الْوِلَايَةُ عَلَى النَّفْسِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ. قُلْنَا: الْحَاجَةُ فِي النَّفْسِ قَدْ تَتَحَقَّقُ فِي الْحَالِ عَلَى تَقْدِيرِ فَوَاتِ الْكُفُؤِ، وَفِي الْمَالِ قَدْ لَا يَقَعُ الْحَاجَةُ بِأَنْ كَانَ كَثِيرًا فَكَانَا سَوَاءً لِاجْتِمَاعِ جِهَةِ الْحَاجَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَنْ لَا مُخَلِّصَ لِلْخَصْمِ عَنْ الْقَلْبِ الَّذِي ذَكَرْنَا فَقَالَ فَأَمَّا الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ فَلَيْسَا بِسَوَاءٍ فِي أَنْفُسِهِمَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ يَأْتِي عَلَى النَّفْسِ وَالْآخَرُ تَأْدِيبٌ مَحَلُّهُ ظَاهِرُ الْبَدَنِ. وَفِي شُرُوطِهَا فَإِنَّ الثِّيَابَةَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ، وَهِيَ الثِّيَابَةُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ دُونَ مِلْكِ الْيَمِينِ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الرَّجْمِ دُونَ وُجُوبِ الْجَلْدِ، وَإِذَا انْتَفَى التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِوُجُودِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِالْأَخَفِّ عَلَى الْأَغْلَظِ وَبِالِابْتِدَاءِ عَلَى النِّهَايَةِ وَكَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَيْسُوا بِسَوَاءٍ، وَلَوْ قِيلَ لَيْسَتْ بِسَوَاءٍ، أَوْ لَيْسَ بِسَوَاءٍ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْأَفْعَالِ لَمْ يَصْلُحْ الذِّكْرُ أَصْلًا يَعْنِي لَوْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْأَفْعَالِ دُونَ الْأَذْكَارِ كَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ

الصفحة 55