كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

وَأَمَّا الْعَكْسُ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لَكِنَّهُ لَمَّا اُسْتُعْمِلَ فِي مُقَابَلَةِ الْقَلْبِ أُلْحِقَ بِهِ، وَهُوَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا يَصْلُحُ لِتَرْجِيحِ الْعِلَلِ وَالثَّانِي مُعَارَضَةٌ فَاسِدَةٌ وَأَصْلُهُ رَدُّ الشَّيْءِ عَلَى سَنَنِهِ الْأَوَّلِ مِثْلُ عَكْسِ الْمِرْآةِ إذَا رَدَّ نُورَ الْبَصَرِ بِنُورِهِ حَتَّى انْعَكَسَ فَأَبْصَرَ نَفْسَهُ كَأَنَّ لَهُ وَجْهًا فِي الْمِرْآةِ وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِنَا مَا يُلْتَزَمُ بِالنَّذْرِ يُلْتَزَمُ بِالشُّرُوعِ كَالْحَجِّ، وَعَكْسُهُ الْوُضُوءُ، وَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا يَصْلُحُ لِتَرْجِيحِ الْعِلَلِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمْثِلَةً فِي كُتُبِهِمْ لِيَتَّضِحَ فَهْمُ أَقْسَامِ الْقَلْبِ الَّتِي ذَكَرُوهَا ثُمَّ ذَكَرُوا أَنَّ الْقَلْبَ عَلَى الْأَوْجُهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا نَوْعُ مُعَارَضَةٍ لَكِنَّهَا تُفَارِقُ مُطْلَقَ الْمُعَارَضَةِ بِأَنَّهَا نَشَأَتْ مِنْ نَفْسِ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ، وَبِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُ فِيهَا الزِّيَادَةُ عَلَى الْعِلَّةِ لِوُجُوبِ اتِّحَادِ الْعِلَّةِ فِيهَا، وَبِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُ فِيهَا مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْقَالِبِ، وَفَرْعَهُ هُوَ أَصْلُ الْمُسْتَدِلِّ.
وَفَرْعُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمُعَارَضَاتِ فِيمَا ذَكَرْنَا وَلِهَذَا كَانَ الْقَلْبُ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ مُطْلَقِ الْمُعَارَضَةِ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ أَقْوَى فِي النَّاقِصَةِ مِمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ لِلْمُسْتَدِلِّ مِنْ تَرْجِيحِ أَصْلِهِ وَجَامِعِهِ عَلَى أَصْلِ الْقَالِبِ وَجَامِعِهِ لِلِاتِّحَادِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمُعَارَضَاتِ.
وَزَعَمَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْقَلْبَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ إنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْقَلْبِ لِنَقِيضِ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ فَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي الدَّلِيلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلْعِلَّةِ الْوَاحِدَةِ وَلِلْأَصْلِ الْوَاحِدِ حُكْمَانِ غَيْرُ مُتَنَافِيَيْنِ، وَإِنْ تَعَرَّضَ لِنَقِيضِهِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ بِأَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ، وَلَا إثْبَاتُهُ بِعِلَّتِهِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَاسْتِحَالَةِ اقْتِضَاءِ الْعِلَّةِ الْوَاحِدَةِ حُكْمَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ لِتَعَذُّرِ مُنَاسَبَتِهَا إيَّاهُمَا.
وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِنَقْضِ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ فَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ قَادِحًا فِي الدَّلِيلِ إذَا كَانَ مَا تَعَرَّضَ لِنَفْيِهِ مِنْ لَوَازِمِ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْأَمْثِلَةِ. وَعَنْ الثَّانِي إنَّ شَرْطَ الْقَلْبِ اشْتِمَالُ الْأَصْلِ عَلَى حُكْمَيْنِ غَيْرِهِ مُتَنَافِيَيْنِ فِي ذَاتَيْهِمَا قَدْ امْتَنَعَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي النَّوْعِ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مُنَاسَبَةُ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ وَنَقِيضِهِ حَقِيقَةً لِاسْتِحَالَتِهِ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَصِحُّ حُصُولُهُمَا فِي الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحَالَةٍ لِعَدَمِ تَنَافِيهِمَا فِي ذَاتَيْهِمَا وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْعِلَّةُ مُنَاسَبَةً لِحُكْمٍ فِي نَظَرِ الْمُسْتَدِلِّ وَلِنَقِيضِهِ فِي نَظَرِ السَّائِلِ، وَإِذَا انْدَفَعَتْ الِاسْتِحَالَةُ صَحَّ الْقَلْبُ. وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْقَلْبَ صَحِيحٌ، وَهُوَ مُعَارَضَةٌ كَانَ لِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَمْنَعَ حُكْمَ الْقَالِبِ فِي الْأَصْلِ، وَأَنْ يَقْدَحَ فِي تَأْثِيرِ الْعِلَّةِ فِيهِ بِالنَّقْضِ وَعَدَمِ التَّأْثِيرِ وَأَنْ يَقُولَ بِمُوجِبِهِ إذَا أَمْكَنَهُ بَيَانُ أَنَّ اللَّازِمَ مِنْ ذَلِكَ الْقَلْبِ لَا يُنَافِي حُكْمَهُ وَأَنْ يَقْلِبَ قَلْبَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَلْبُ الْقَلْبِ مُنَاقِضًا لِحُكْمِهِ؛ لِأَنَّ قَلْبَ الْقَالِبِ إذَا أَفْسَدَ بِالْقَلْبِ الثَّانِيَ سَلِمَ أَصْلُ الْقِيَاسِ مِنْ الْقَلْبِ كَذَا فِي عَامَّةِ نُسَخِ الْأُصُولِ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ فَوَائِدِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ الْقَلْبُ وَالنَّقْضُ عَلَى الْقَلْبِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْإِفْسَادِ لِكَلَامِ الْخَصْمِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيلِ، وَلَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِبَيَانِ أَنَّ هَذَا الْقَلْبَ لَا يَخْرُجُ فِي دَلَالَةِ الْوَصْفِ عَلَى الْحُكْمِ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ تَعْلِيلِ الْمُعَلِّلِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا يَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْعَكْسُ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ) أَيْ لَيْسَ بِمُعَارَضَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ لِلدَّفْعِ وَالْعَكْسَ لِلتَّصْحِيحِ فَلَا يَكُونَ الْعَكْسُ مِنْ الْمُعَارَضَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُذْكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ. لَكِنَّهُ أَيْ الْعَكْسَ لَمَّا اُسْتُعْمِلَ فِي مُقَابَلَةِ الْقَلْبِ لَمَّا قُلْنَا إنَّ الْقَلْبَ لِلْإِبْطَالِ وَالْعَكْسَ لِلتَّصْحِيحِ أُلْحِقَ الْعَكْسُ بِالْقَلْبِ أَيْ بَيَانُ الْعَكْسِ بِبَيَانِ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ مُقَابِلِ الشَّيْءِ بَعْدَ ذِكْرِهِ مِنْ مُحَسِّنَاتِ الْكَلَامِ وَالثَّانِي مُعَارَضَةٌ فَاسِدَةٌ لَا يُقَالُ لَمَّا كَانَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْعَكْسِ مُعَارَضَةً فَاسِدَةً كَانَ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَلَمْ يَسْتَقِمْ نَفْيُهُ بِالْعَكْسِ مِنْ هَذَا الْبَابِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَا يَنْدَفِعُ بِأَنَّ نَفْيَهُ يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ الْفَسَادِ إذْ الْفَاسِدُ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنْوَاعَ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ مَعَ فَسَادِهَا مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ

الصفحة 58