كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

أَمَّا الَّتِي فِي الْفَرْعِ فَأَصَحُّ وُجُوهِهَا الْمُعَارَضَةُ بِضِدِّ ذَلِكَ الْحُكْمِ فَيَقَعُ بِذَلِكَ مَحْضُ الْمُقَابَلَةِ فَيَمْتَنِعُ الْعَمَلُ وَيَنْسَدُّ الطَّرِيقُ إلَّا بِتَرْجِيحٍ مِثَالُهُ قَوْلُهُمْ إنَّ الْمَسْحَ رُكْنٌ فِي وُضُوءٍ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَالْغَسْلِ فَيُقَالُ إنَّهُ مَسْحٌ فَلَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَمَسْحِ الْخُفِّ.

وَالثَّانِي مُعَارَضَةٌ بِزِيَادَةٍ هِيَ تَفْسِيرٌ لِلْأَوَّلِ وَتَقْرِيرٌ لَهُ فَمِثْلُ قَوْلِنَا إنَّ الْمَسْحَ رُكْنٌ فِي الْوُضُوءِ فَلَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ بَعْدَ إكْمَالِهِ كَالْغَسْلِ، وَهَذَا أَحَدُ وَجْهَيْ الْقَلْبِ عَلَى مَا قُلْنَا.

وَأَمَّا الثَّالِثُ فَمَا فِيهِ نَفْيٌ لِمَا أَثْبَتَهُ الْأَوَّلُ أَوْ إثْبَاتٌ لِمَا نَفَاهُ لَكِنْ بِضَرْبِ تَغْيِيرٍ مِثْلُ قَوْلِنَا فِي الثَّيِّبِ الْيَتِيمَةِ إنَّهَا صَغِيرَةٌ فَتُنْكَحُ كَاَلَّتِي لَهَا أَبٌ أَيْ فَقَالُوا هِيَ صَغِيرَةٌ فَلَا يُوَلَّى عَلَيْهَا بِوِلَايَةٍ الْأُخُوَّةِ كَالْمَالِ، وَهَذَا تَغْيِيرٌ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ لِإِثْبَاتِ الْوِلَايَةِ لَا لِتَعْيِينِ الْوَلِيِّ إلَّا أَنَّ تَحْتَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ نَفْيًا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأُخُوَّةِ إذَا بَطَلَتْ بَطَلَ سَائِرُهَا بِنَاءً عَلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ.

وَأَمَّا الرَّابِعُ فَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ قِسْمَيْ الْعَكْسِ عَلَى مَا بَيَّنَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــQصَحِيحَانِ بِلَا شُبْهَةٍ وَثَلَاثَةٌ مِنْهَا فِيهَا شُبْهَةُ الصِّحَّةِ، وَالثَّلَاثَةُ الَّتِي فِي الْأَصْلِ فَاسِدَةٌ كُلُّهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ الْفَاسِدَةَ مِنْهَا فِي هَذَا الْبَابِ لِبَيَانِ جَمِيعِ أَقْسَامِهَا، وَإِحَاطَةِ سَائِرِ أَنْوَاعِهَا أَمَّا الَّتِي فِي الْفَرْعِ أَيْ الْمُعَارَضَاتُ الَّتِي فِي الْفَرْعِ فَأَصَحُّ وُجُوهِهَا. الْمُعَارَضَةُ بِضِدِّ ذَلِكَ الْحُكْمِ أَيْ بِمَا يُخَالِفُ حُكْمَ الْمُسْتَدِلِّ بِأَنْ يَذْكُرَ عِلَّةً أُخْرَى تُوجِبُ خِلَافَ مَا تُوجِبُهُ عِلَّةُ الْمُسْتَدِلِّ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَتَغْيِيرٍ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِعَيْنِهِ فَيَقَعُ بِذَلِكَ أَيْ بِإِيرَادِ الضِّدِّ مَحْضُ الْمُقَابَلَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِإِبْطَالِ عِلَّةِ الْخَصْمِ فَيَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِهِمَا بِمُدَافَعَةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَا يُقَابِلُهَا وَيَفْسُدُ طَرِيقُ الْعَمَلِ إلَّا بِتَرَجُّحِ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فَإِذَا تَرَجَّحَتْ إحْدَاهُمَا وَجَبَ الْعَمَلُ بِالرَّاجِحَةِ حِينَئِذٍ.
قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ، وَهَذِهِ الْمُعَارِضَةُ تَجِيءُ عَلَى كُلِّ عِلَّةٍ يَذْكُرُهَا الْمُعَلِّلُ. مِثَالُهُ أَيْ مِثَالُ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمُعَارَضَةِ يَتَحَقَّقُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي تَثْلِيثِ الْمَسْحِ رُكْنٌ فِي الْوُضُوءِ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَالْغَسْلِ فَيُقَالُ لَهُمْ: إنَّهُ مَسْحٌ فَلَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَمَسْحِ الْخُفِّ فَهَذِهِ مُعَارَضَةٌ خَالِصَةٌ صَحِيحَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ إثْبَاتِ حُكْمٍ مُخَالِفٍ لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَتَغْيِيرٍ.

وَالنَّوْعُ الثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ رُكْنٌ فِي الْوُضُوءِ فَلَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ بَعْدَ إكْمَالِهِ كَالْغَسْلِ مُعَارَضَةٌ بِتَغْيِيرٍ هُوَ تَفْسِيرٌ لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَتَقْرِيرٌ لَهُ وَهِيَ صَحِيحَةٌ أَيْضًا حَتَّى وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى التَّرْجِيحِ فِيهَا كَمَا فِي الْمُعَارَضَةِ الْأُولَى وَلَكِنَّهَا دُونَ الْأُولَى فَإِنَّ الْأُولَى تَصِحُّ بِدُونِ الزِّيَادَةِ، وَهَذِهِ لَا تَصِحُّ بِدُونِهَا كَذَا ذَكَرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ أُصُولِ الْفِقْهِ لِأَصْحَابِنَا. وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقِسْمُ أَقْوَى مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فِي الدَّفْعِ، وَمُقَدَّمًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ وَجْهَيْ الْقَلْبِ، وَالْقَلْبُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُعَارَضَةِ الْمَحْضَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْأُصُولِيِّينَ لِتَضَمُّنِهِ إبْطَالَ عِلَّةِ الْخَصْمِ ثُمَّ إيرَادُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا النَّوْعَ هَاهُنَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ فِي بَيَانِ الْمُعَارَضَةِ الْمَحْضَةِ الْخَالِصَةِ عَنْ تَضَمُّنِ مَعْنَى الْإِبْطَالِ، وَهَذَا النَّوْعُ لَيْسَ بِمُعَارَضَةٍ خَالِصَةٍ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْمُعَارَضَةِ الَّتِي فِيهَا مُنَاقَضَةٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ إيرَادُهُ فِي الْمُعَارَضَةِ الْخَالِصَةِ وَمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ مُعَارَضَةٌ ذَاتًا، وَمُنَاقَضَةٌ ضِمْنًا فَيَصِحُّ إيرَادُهُ هَاهُنَا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ، وَيَصِحُّ إيرَادُهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْمُنَاقَضَةِ، وَمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأُصُولِ لِأَصْحَابِنَا أَنَّ هَذِهِ مُعَارَضَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْقَلْبِ فَالسَّائِلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ يَأْتِي بِهِ عَلَى وَجْهِ الْمُعَارَضَةِ، وَإِنْ شَاءَ يَأْتِي بِهِ عَلَى وَجْهِ الْقَلْبِ لَا يَدْفَعَانِ هَذَا الْإِشْكَالَ؛ لِأَنَّ الشَّيْخَ قَيَّدَ الْمُعَارَضَةَ بِالْخَالِصَةِ وَبِإِيرَادِ هَذَا النَّوْعِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يَحْدُثُ الْخُلُوصُ فِيهِ.
وَكَذَا بِإِيرَادِ السَّائِلِ إيَّاهُ عَلَى وَجْهِ الْمُعَارَضَةِ لَا يَصِيرُ مُعَارِضَةً خَالِصَةً فَلَا يَسْتَقِيمُ إيرَادُهُ فِي الْمُعَارَضَةِ الْخَالِصَةِ بِوَجْهٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَقْسَامَ الْمُعَارَضَةِ فِي الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ عَلَى وَجْهِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ لَكِنَّهُمَا ذَكَرَا الْقَلْبَ وَالْعَكْسَ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ، وَذَكَرَا أَقْسَامَ الْمُعَارَضَةِ فِي فَصْلٍ آخَرَ، وَلَمْ يُقَيِّدَا الْمُعَارَضَةَ بِالْخُلُوصِ فَاسْتَقَامَ إيرَادُ هَذَا الْقِسْمِ مِنْهُمَا فِي أَقْسَامِ الْمُعَارَضَةِ كَمَا اسْتَقَامَ إيرَادُهُ فِي أَقْسَامِ الْقَلْبِ وَلَكِنَّ الشَّيْخُ لَمَّا تَصَرَّفَ وَجَعَلَ الْكُلَّ مِنْ بَابِ الْمُعَارَضَةِ ثُمَّ قَسَّمَ الْمُعَارَضَةَ عَلَى قِسْمَيْنِ خَالِصَةٍ وَغَيْرِهَا اشْتَبَهَ إيرَادُهُ فِي الْقِسْمَيْنِ لِاسْتِلْزَامِهِ كَوْنَ هَذَا النَّوْعِ مُعَارَضَةً خَالِصَةً وَغَيْرَ خَالِصَةٍ، وَلَا أَعْرِفُ وَجْهَ التَّقَصِّي عَنْهُ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الثَّالِثُ) أَيْ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الْمُعَارَضَةِ الْخَالِصَةِ فِي الْفَرْعِ فَمَا فِيهِ

الصفحة 61