كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (اسم الجزء: 4)

لَكِنَّهُ ذُو أَحْوَالٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَهِيَ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ وَالْمُقَارَنَةُ فَصَحَّ مُتَقَدِّمًا، وَلَمْ يَصِحَّ مُتَأَخِّرًا قَوْلًا بِالتَّنْصِيفِ، وَبَطَلَ مُقَارِنًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّنْصِيفَ فَغُلِّبَ التَّحْرِيمُ كَالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَالْأَقْرَاءِ أَنَّهَا صَارَتْ ثِنْتَيْنِ بِالرِّقِّ لِمَا قُلْنَا فَهَذَا وَصْفٌ قَوِيَ أَثَرُهُ.
وَلِذَلِكَ قُلْنَا فِي الْحُرِّ إذَا نَكَحَ أَمَةً عَلَى أَمَةٍ إنَّهُ صَحِيحٌ كَالْعَبْدِ إذَا فَعَلَهُ وَضَعُفَ أَثَرُ وَصْفِهِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحْرِيمِ لَكِنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ التَّنْصِيفِ كَرِقِّ الرِّجَالِ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَى الرَّجُلِ شَيْئًا حَلَّ لِلْحُرِّ لَكِنَّهُ أَثَرٌ فِي التَّنْصِيفِ، وَقَدْ جَعَلْت الرِّقَّ مِنْ أَسْبَابِ فَضْلِ الْحِلِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ فَتَعَذَّرَ التَّنْصِيفُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَكِنَّهُ أَيْ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ ذُو أَحْوَالٍ مُتَعَدِّدَةٍ حَالَ اجْتِمَاعِهَا مَعَ الضَّرَّةِ قَدْ يَكُونُ مُتَقَدِّمًا عَلَى نِكَاحِ الضَّرَّةِ، وَمُتَأَخِّرًا عَنْهُ، وَمُقَارِنًا إيَّاهُ فَيَقْبَلُ التَّنْصِيفَ بِالرِّقِّ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ فَيَصِحُّ نِكَاحُ الْأَمَةِ مُتَقَدِّمًا عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ، وَلَمْ يَصِحَّ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ قَوْلًا بِالتَّنْصِيفِ فَبَقِيَ حَالَةُ الْمُقَارَنَةِ، وَهِيَ لَا تُقْبَلُ التَّنْصِيفَ وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهَا مَعْنَى الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ إلْحَاقَهَا بِحَالَةِ التَّقَدُّمِ اقْتَضَى الْحِلَّ، وَإِلْحَاقُهَا بِحَالَةِ التَّأْخِيرِ اقْتَضَى الْحُرْمَةَ فَيَغْلِبُ مَعْنَى الْحُرْمَةُ احْتِيَاطًا كَالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَالْأَقْرَاءِ لَمَّا أَوْجَبَ الرِّقُّ تَنَصُّفَهَا، وَالطَّلْقَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ، وَالْقُرْءُ الْمُتَوَسِّطُ لَمْ يَقْبَلَا التَّنْصِيفَ.
وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِمَا جِهَتَا الثُّبُوتِ وَالسُّقُوطِ بِالنَّظَرِ إلَى طَرَفَيْهِمَا رَجَّحْنَا جَانِبَ الثُّبُوتِ احْتِيَاطًا.
أَوْ يُقَالُ لِنِكَاحِ الْأَمَةِ حَالَتَانِ حَالَةُ الِانْفِرَادِ عَنْ الْحُرَّةِ بِالسَّبْقِ وَحَالَةُ الِانْضِمَامِ إلَى الْحُرَّةِ بِالْمُقَارَنَةِ أَوْ التَّأَخُّرِ فَتَكُونُ مُحَلَّةً فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى فَإِنْ قِيلَ سَلَّمْنَا أَنَّ رِقَّ الرَّجُلِ يُؤَثِّرُ فِي تَنْقِيصِ الْحِلِّ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يُؤَثِّرُ فِي تَنْقِيضِ مَالِكِيَّتِهِ الَّتِي عَلَيْهَا يَبْتَنِي الْحِلُّ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ رِقَّ الْمَرْأَةِ فِي تَنْقِيصِ حِلِّهَا؛ لِأَنَّ حِلَّهَا بِنَاءً عَلَى الْمَمْلُوكِيَّةِ، وَالرِّقُّ يَزِيدُ فِي مَمْلُوكِيَّتِهَا فَكَيْفَ يُؤَثِّرُ فِي تَنْقِيصِ الْحِلِّ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الرِّقَّ يَفْتَحُ عَلَيْهَا بَابًا مِنْ الْحِلِّ كَانَ مَسْدُودًا قَبْلَهُ فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالنِّكَاحِ جَمِيعًا، وَقَبْلَ الِاسْتِرَاقِ لَمْ تَكُنْ تَحِلُّ إلَّا بِمِلْكِ النِّكَاحِ فَاسْتَحَالَ أَنْ يَسُدَّ عَلَيْهَا بَابًا كَانَ مَفْتُوحًا قَبْلَهُ، وَإِذَا كَانَ يَثْبُتُ حِلٌّ جَدِيدٌ فِيهَا بِالرِّقِّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْتَقَصَ الْحِلُّ الثَّابِتُ فِيهَا بِالرِّقِّ قُلْنَا كَمَا أَنَّ الْحِلَّ فِي الرَّجُلِ كَرَامَةٌ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ كَرَامَةٌ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ نِعْمَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا عُرِفَ فَلَمَّا كَانَ حِلُّ الرَّجُلِ يَتَنَصَّفُ بِرِقِّهِ فَكَذَلِكَ حِلُّ الْأَمَةِ وَقَوْلُهُ انْفَتَحَ بِسَبَبِ رَقِّهَا بَابٌ مِنْ الْحِلِّ قُلْنَا حِلُّ مِلْكِ الْيَمِينِ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ وَلِهَذَا لَا تُطَالِبُهُ بِالْوَطْءِ وَلَا تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَالِاسْتِمْتَاعُ بِهَا كَالِاسْتِمْتَاعِ بِسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ أَثَرُ الرِّقِّ فِي فَتْحِهِ فَأَمَّا مِلْكُ النِّكَاحِ وَحِلُّهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَقَدْ ثَبَتَ كَرَامَةً فَأَثَرُ الرِّقِّ فِي الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا وَلِهَذَا يُنْتَقَصُ قَسْمُ الْأَمَةِ وَعِدَّتُهَا بِالِاتِّفَاقِ وَطَلَاقُهَا عِنْدَنَا.
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ أَثَرَ الرِّقِّ فِي التَّنْصِيفِ لَا فِي تَغْيِيرِ أَصْلِ النِّكَاحِ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ النِّصْفِ الْبَاقِي وَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ فَيَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ مُتَقَدِّمًا عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ لَا مُتَأَخِّرًا أَوْ مُقَارِنًا عَمَلًا بِالتَّنْصِيفِ كَمَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ مُطْلَقًا فَهَذَا وَصْفٌ أَيْ الْوَصْفُ الَّذِي اعْتَمَدْنَا عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّ دِينَ الْكِتَابِيَّةِ دِينٌ يَصِحُّ مَعَهُ نِكَاحٌ فَيَصِحُّ نِكَاحُ الْأَمَةِ. وَصْفٌ قَوِيَ أَثَرُهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْحِلَّ الَّذِي بِهِ تَصِيرُ الْمَرْأَةُ مَحَلًّا لِلنِّكَاحِ وَلَا يَخْتَلِفُ بِدِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا فِي الْحُرَّةِ، وَأَصْلُ هَذَا الْحِلِّ لَا يَتَغَيَّرُ بِالرِّقِّ فَبَقِيَتْ كَالْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ، وَكَالْحُرَّةِ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ وَلِذَلِكَ أَيْ؛ وَلِأَنَّ أَثَرَ الرِّقِّ فِي التَّنْصِيفِ لَا غَيْرُ أَوْ؛ لِأَنَّ مَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ مِنْ الْأَنْكِحَةِ يَمْلِكُهُ الْحُرُّ قُلْنَا فِي الْحُرِّ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى أَمَةٍ إنَّهُ صَحِيحٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَالْعَبْدِ فِعْلُهُ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الرِّقِّ فِي التَّنْصِيفِ لَا فِي إزَالَةِ الْحِلِّ وَإِثْبَاتِهِ، وَقَدْ كَانَتْ الْإِمَاءُ مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ فَبَقِينَ عَلَى مَا كُنَّ عَلَيْهِ قَبْلَ الرِّقِّ وَضَعُفَ أَثَرُ وَصْفِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ جَعَلَ الرِّقَّ أَيْ رِقَّ الْمَرْأَةِ مِنْ أَسْبَابِ التَّحْرِيمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مِنْ أَسْبَابِ التَّنْصِيفِ كَرِقِّ الرَّجُلِ، وَقَدْ جَعَلَ أَيْ الشَّافِعِيُّ الرِّقَّ مِنْ أَسْبَابِ فَضْلِ الْحِلِّ حَيْثُ أَبَاحَ لِلْعَبْدِ مَعَ نُقْصَانِ

الصفحة 87